يحكم ويفصل. والقدر يستعمل في ثلاثة معان : أحدها بمعنى الخلق ، يحكيه قول الله تعالى : (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها) [فصلت : ١٠] أي خلق. وثانيها بمعنى العلم يحكيه قوله تعالى : (إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ) [النمل : ٥٧] أي علمنا ذلك من حالها. وثالثها بمعنى الكتابة يحكيه قول العجّاج (١) :
واعلم بأنّ ذا الجلال قد قدر |
|
في الصّحف الأولى التي كان سطر |
أمرك هذا فاجتنب منه التّبر
قوله : قد قدر ، أي قد كتب ذلك في الصّحف. التّبر ما يهلك ، وقد ينطلق (٢) على الهلاك.
وأما المطلب الثاني : وهو في الدلالة على اقتضائها لهذه المعاني التي ذكرنا ؛ فالذي يدل على ذلك أنّ القضاء والقدر متى نسبا إلى الله تعالى مطلقا لم يسبق إلى الأفهام معنى من هذه المعاني دون غيره ، بل يبقى الفهم مترددا بينها ، لا ترى (٣) ترجيحا لبعضها على بعض ، وذلك هو أمارة اللفظة المشتركة بين المعاني.
وأما المطلب الثالث : وهو أن بعضها صحيح في أفعال العباد في الله (٤) وبعضها فاسد ؛ لأنه لا يجوز إطلاق القول بأنّ أفعال العباد بقضاء من الله
__________________
(١) هو عبد الله بن رؤبة بن لبيد بن صخر السعدي التميمي ، العجاج شاعر وراجز مجيد ، ولد في الجاهلية ، وقال الشعر فيها ثم أسلم. توفي نحو سنة ٩٠ ه. وله ديوان طبع في مجلدين. ينظر الأعلام ٣٤ / ٨٦.
(٢) في (ب) : يطلق.
(٣) في (ب) : لا يرى.
(٤) في (ب) : نظّر على كلمه الله.