وقدر بمعنى الخلق (١) ؛ لما بيّنا في المسألة الأولى أنّا فاعلون لتصرّفاتنا. ومما يدل على ذلك أنّ المعاصي لو كانت بقضاء من الله تعالى وقدر بمعنى الخلق لوجب علينا الرضى بها ؛ لأنه لا خلاف بين المسلمين أنّ الرضى بقضاء الله سبحانه وقدره بهذا المعنى واجب. ولقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حاكيا عن ربه تعالى : «من لم يرض بقضائي ، ويصبر على بلائي ، ويشكر (٢) نعمائي فليتّخذ ربّا سواي (٣)». ومعلوم أنه لا يجوز الرضى بالمعاصي ؛ فإنه لا خلاف بين المسلمين في أنه لا يجوز الرضى بالمعاصي. ولا مخلص من المناقضة بين الإجماعين إلا القول بأنّ المعاصي ليست بقضاء الله تعالى وقدره ، بمعنى الخلق لها ، ولا بمعنى الأمر بها ؛ لأنّ في أفعال العباد القبائح ، وهو تعالى لا يأمر بها ؛ لأن الأمر بالقبيح قبيح. وهو تعالى لا يفعل القبيح على ما تقدم بيانه. وقد قال تعالى : (إِنَّ اللهَ لا
__________________
(١) قال المقبلي في العلم الشامخ ص ٢٨٠ في بحث خلق الأفعال : ولا أدري كيف غرسه الشيطان ونماه حتى جار على الأفاضل الأمة [عنده] وصيروه من مهمات الدين ، ولم يتكلم أحد بمثل ما ذكرت لك الآن ، بل شمر كل لنصرة ما طرق خلده أول مرة ووجد قلبه خاليا فتمكن وهو على غرة :
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى |
|
فصادف قلبا خاليا فتمكّنا |
حتى صنف البخاري كتابا في خلق الأفعال وذكر في الصحيح شيئا من ذلك [أي إن الله خلق أفعال عباده] وليته صان تلك المكرمة التي فاز بها في الحديث ، ولكنه أتى بما لا يزيد العاقل عند سماعه على التسبيح ، وفعل غيره من أفاضل الأمة ونحوه ، كل ينصر ما اتفق له ، آيات بينات ، على أن هذا النوع مع تكريمه (أَسْفَلَ سافِلِينَ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ* فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ* أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ).
(٢) في (ب) ، و (ج) و (د) : ويشكر على.
(٣) أخرجه الطبراني في الأوسط ٧ / ٢٠٣ رقم ٧٢٧٣ ، ٨ / ١٩٢ برقم ٨٣٧٠.