رجلا منهم فقلنا له : كم كنتم ؛ قال : ألفا (١). فقلّل بعضهم في أعين البعض الآخر ليقضي ما قضى من هزيمتهم. وهذا خلاف مذهب الحشوية ؛ لأن ترك التحفّظ والاستعداد من الكفار لمحاربة المسلمين غير قبيح ولا معصية عقلا وشرعا.
أما من جهة العقل فلأنه قلّل المسلمين في أعينهم فلم يخشوا ضررا (٢) يجب عليهم دفعه عقلا.
وأما الشرع فلأن قتلهم واستئصال شأفتهم مباح من جهة الشرع ، فإذا فعل الله معهم ما لأجله تركوا الاستعداد والتحفظ ، وهو تقليل المسلمين في أعينهم فليس ذلك بأعظم من إباحة قتلهم ، وإيجاب قتلهم في بعض الأحوال ، وهذا واضح ، فبطل قولهم.
ومنها قوله تعالى : (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ) [آل عمران : ١٥٤] قالوا : فدلّ على أن القتل بقضائه وقدره ، وهو فعله. والجواب : أنّ الكتب لم يأت في اللّغة ولا في القرآن بمعنى القضاء والقدر فسقط تعلقهم بذلك. ثم نقول : إن الكتب يأتي في اللغة والقرآن على وجوه أربعة : أحدها بمعنى الفرض والإيجاب كقوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) [البقرة : ١٨٣] أي فرض. وثانيها بمعنى الحكم كقوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ) [الحج : ٤] أي حكم عليه به. وثالثها بمعنى الإخبار كقوله تعالى : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) [الأنبياء : ١٠٥] أي أخبرنا
__________________
(١) أخرجه في الدر المنثور ٣ / ٣٤٢ ، والطبري في تفسيره مج ٦ ج ١٠ ص ١٩ ، والزمخشري في كشافه ٢ / ٢٢٤. والقرطبي مج ٤ ج ٨ ص ١٦.
(٢) في (ب) : إضرارا.