وأما الأصل الثاني : وهو أنّ الله تعالى كلّف الكافر الإيمان فذلك ظاهر ؛
فإنا نعلم من دين النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ضرورة أنّ الكفار مكلفون بالإيمان ؛ ولذلك نسب من لم يؤمن إلى الجحود والكفر والتكذيب ، وألحق بهم الوعيد الشديد ، فلا يكون هذا إلّا مع التكليف.
وأما الموضع الخامس :
وهو في إيراد طرف مما يؤكّد ذلك من أدلة الشرع
فيدل عليه قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) [البقرة : ٢٨٦] ، والوسع دون الطاقة. قال الشاعر :
كلفتها الوسع في سيري لها أصلا |
|
والوسع منها دوين الجهد والوخد (١) |
وقوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) [الطلاق : ٧] ، وقوله : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن : ١٦] ، وقوله : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) [آل عمران : ٩٧] ، وقوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة : ١٨٥] ، وقوله : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج : ٧٨] ، والحرج هو الضيق.
وقد أخبر الله تعالى أنّ المنافقين أخبروا عن أنفسهم بنفي استطاعتهم للخروج مع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وحلفهم بأنهم لو استطاعوا ، لخرجوا وكذّبهم (٢) تبارك وتعالى في ذلك. فقال عز قائلا : (وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) [التوبة : ٤٢] فلو كانت القدرة موجبة لمقدورها لكانوا صادقين في قولهم : (لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا
__________________
(١) يتحدث عن الناقة ، والوخد نوع من السير. وفي (ب) : دون ، وهو يزحف البيت.
(٢) في (ب) : وأكذبهم.