لهم. وقد ذكره أيضا أبو على الجبّائي. فإذا جوّزتم هذا في الواجب على الله تعالى فهلّا جوّزتموه في حقه الذي لا يجب عليه فعله ، والذي يقضى العقل بحسن إسقاطه ، والعفو عنه ـ لو لا ما توعّد به من إنفاذه في المجرمين ، وتخليدهم فيه في الآخرة دون الدنيا. واحتجوا بأن ذلك تعريض لاعتقاد الجهل ، وهو قبيح ، فثبت أنه ليس بعقاب.
والجواب : أن ذلك لا يصح ؛ لأنه إنما يكون تعريضا لاعتقاد الجهل ، متى دلّ دليل قطعي على أنه لا يجوز أن يكون عقوبة. فأما إذا لم يكن هناك دليل قطعي : فالعقل يجوّز أن يكون عقوبة ، ويجوّز أن يكون مصلحة يقع معها الاعتبار ، ويجوّز أن يكون عقوبة لمن هو به ومصلحة لغيره.
وإذا لم يكن هناك دلالة قطعية على المنع من كونه عقوبة ، بل ذلك باق على التجويز العقلي ـ لم يكن المكلّف معرّضا لاعتقاد الجهل. ثم يجوز أن يعلم أنه لا يجوز أن يكون عقوبة بأن يعلم قطعا أنه مؤمن كما أشار إليه المرتضى لدين الله عليهالسلام.
وهذا مبني على أن المرء يمكنه أن يعلم ذلك من نفسه ، وهو الأصوب ؛ فإنه يعلم قطعا بالعقل والشرع أن التائب لا عقاب عليه ، ويمكنه أن يعلم قطعا أنه تائب ، نحو من لا يكون عليه تبعات للآدميين أصلا ؛ فإنه متى تاب إلى الله تعالى على الجملة والتفصيل الممكن له ـ علم قطعا أنه تائب ، فيعلم قطعا أنه في تلك الحال مؤمن غير معاقب أصلا. ولا يلزم على هذا أن يقال : فيجب إذا تاب العاصي هذه التوبة أن يزول مرضه لأنا نقول : يجب أن يزول مرضه بلا إشكال إذا لم يكن في إنزاله وجه سوى كونه عقوبة. وأما إذا كان مفعولا لوجهين : أحدهما كونه عقوبة. والثاني كونه مصلحة فإنه لا يستمر إلّا لكونه مصلحة فقط ، ولا يجوز أن يقال : إن نفس ما يستحق به الاستخفاف