«من لم يرض بقضائي ، ويصبر على بلائي ، ويشكر على نعمائي ، فليتّخذ ربّا سواي» (١). وهذا يوضّح ما ذكرناه. فهلمّ الدلالة على أنه لا يجب عليه ذلك ؛ بل قد ثبت كون الجزية عقوبة على من فرضت عليه من كفرة العجم ، وهي مع ذلك واجبة عليهم ، ولا خلاف بين المسلمين في وجوب الرضى بالواجب ؛ فسقط بذلك قولهم : إنه لا يجب الرضى بالعقوبة ؛ فإن قيل : ما وجه وجوبها من جهة العقل؟ قلنا : كونها دفعا للضرر. وبيان ذلك أن الكافر مدفوع إلى ضررين : أحدهما القتل. والثاني الجزية ، فيجب عليه دفع أعظم الضررين بأخفّهما. فإن قيل : إذا كان أداؤها واجبا على الذمي كانت عبادة فلا يصح أداؤها منه ـ قلنا : إن الواجب قد يجب ـ وإن لم يكن عبادة ـ كشكر النعمة (٢) وقضاء الدين ورد الوديعة ، فإن جميع ذلك واجب ـ وإن لم يكن عبادة. ولا خلاف أنّ الجزية يجزى أخذها مع الكفر ، فسقط القول بكونها عبادة. واحتجوا بأنه لو كان عقابا لوجب أن يقترن بهذه المضرة الاستخفاف والإهانة ؛ وذلك لا يصح إلا مع الإعلام للمعاقب بذلك ؛ فلمّا لم يعلمه الله تعالى بأنّ ما أنزله به عقاب قطعنا أنه ليس بعقاب.
والجواب ـ أن ذلك لا يصح ؛ لأنّ لقائل أن يقول : ما الذي يدل على أنه لا يجوز انفصال الاستخفاف والإهانة عن المضرة فهما جزاءان مختلفان ، وقد أجزتم ما هو أعظم من ذلك وهو الثواب ؛ فإنه حق مستحقّ على الله تعالى وقد أجزتم انفصال التعظيم والإجلال عن المنفعة ، وقلتم : بأنه يجوز أن يكون تعظيم المؤمن في الدنيا وإجلاله من جملة الثواب ـ وإن تأخرت المنفعة.
وقطع بعض علماء التفسير على أنّ نصر المؤمنين في يوم بدر كان ثوابا
__________________
(١) الطبراني في الأوسط ٧ / ٢٠٣ رقم ٧٢٧٣.
(٢) في (ب) : المنعم.