وأما الشيخ أبو الهذيل (١) والحشوية فهم يتعلقون في ذلك بآيات من كتاب الله تعالى : منها : قوله تعالى : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) [الأعراف : ٣٤] قالوا : فجعل لكل نفس أجلا لا يصح (٢) أن تموت قبله ولا بعده ، ولا يقتل قبله ولا متأخرا عنه. وجعلوا الأجل كالموجب للموت والقتل. والجواب عن ذلك أن ظاهر الآية يقتضي أنّ عند حصول الأجل لا يصح وقوع التقديم والتأخير فيه ، وذلك مما لا خلاف فيه بين المسلمين. فأمّا قبل حصول الأجل فلم ينف (٣) أن يقع هناك ما يقطع عن بلوغه من قتل ونحوه ، ولم يذكره تعالى لا بإبطال ولا بإثبات وهو موضع النزاع. وإذا كان كذلك سقط تعلّقهم بظاهر الآية. ومنها قوله تعالى : (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ) [آل عمران : ١٥٤] قالت الحشوية : فبيّن أن القتل يقع بقضائه ، وأنه لا يقع في ذلك تقديم ولا تأخير.
والجواب : عن ذلك أنّ الكتب يأتي على وجوه ، ولم يأت فيها شيء بمعنى القضاء ، لا في القرآن ولا في لغة العرب. وتلك الوجوه : أحدها بمعنى
__________________
معتزلة بغداد. وتسمى أيضا البشرية ، وهو صاحب الأراجيز المعروفة ، وله أربعون ألف بيت في مذهبه. حبسه الرشيد ثم أطلقه. توفي سنة ٢١٠ ه. ينظر الشافي ١ / ١٣٧.
وموسوعة الفرق ص ١٠٣. والموسوعة الإسلامية للأمين ٥ / ٧٠.
(١) أبو الهذيل : هو محمد بن الهذيل العبدي ، ولد ١٣٥ ه أو ١٣٤ ه. وهو شيخ معتزلة البصرة ، توفى سنة ٢٢٧ ه ، وقيل : غير ذلك ، وله مؤلفات كثيرة منها : مناظرة أبي الهذيل لمجنون أهل الدير ، ميلاس ، اسم مجوسي أسلم على يده. ينظر الأعلام ٧ / ١٣١.
ووفيات الأعيان ١ / ٤٨٠. ومعجم المؤلفين ٣ / ٧٦٠.
(٢) أما الصحة فيصح ؛ لكن المراد بعدم الصحة عدم تخلف ما علمه الله.
(٣) في (ب) : ينتف.