الفرض والإيجاب. قال الله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) [البقرة : ١٨٣] أي فرض عليكم ، وكذلك : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) الآية [المائدة : ٤٥] ، أي فرضنا. وثانيها بمعنى الحكم بالشيء ، كقوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ) [الحج : ٤] أي حكم عليه به. وثالثها : الإخبار كقوله تعالى : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) [الأنبياء : ١٠٥] أي أخبرنا بذلك. ورابعها بمعنى العلم كقوله تعالى : (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) [المجادلة : ٢١] أي علم. وعليه يحمل ما روي عن أبي سعيد الخدري أنه قال : بينا أنا جالس عند النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إذ أتاه رجل من الأنصار فقال : «يا رسول الله ، إنا نصيب سبيا ونحبّ الأثمان (١) فكيف ترى في العزل؟ فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا عليكم ألّا تفعلوا ذلك ، فإنّها ليست نسمة كتب الله عزوجل أن تخرج إلا وهي خارجة» (٢) أي علم. وإذا كان كذلك ؛ لم يخل قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ) [آل عمران : ١٥٤] ، من أحد هذه الوجوه. ولا يحوز أن يكون بمعنى الفرض والإيجاب ؛ لأن القتل لا يفرض على المقتول ، خصوصا فيمن قتل مظلوما ؛ بل يكون ذلك قبيحا ، ولا يجوز أن يكون بمعنى الحكم ؛ لأن ذلك إنما يكون على سبيل الوجوب. وليس من يقتل من غير استحقاق محكوما عليه بالقتل ؛ بل ذلك يكون ظلما ؛ لعدم الاستحقاق. وإنما يكون معنى قوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ) بمعنى الخبر والعلم ، ويكون معناه من أخبر الله تعالى أنه يقتل أو علم ذلك من حاله ، فإنه يكون كذلك ،
__________________
(١) المعنى : أنهم لا يريدون أن يحملن من الوطء لئلا ينقص الثمن.
(٢) أخرجه البخاري ٢ / ٧٧٧ رقم ٢١١٦ ، وقد تكرر.