ولا يلزم أن يكون علمه وخبره قضاء ولا جبرا ، ولا علمه وخبره أيضا يوجبان الأفعال إذ لو كانا يوجبان الأفعال ، فهو تعالى يعلم أفعاله ، فكان يجب أن يفعل ما أخبر به وعلمه من أفعال نفسه ، وذلك محال ؛ لأنه يؤدي إلى أمور كلها باطلة. منها : أنه كان يجب حصول الثواب في دار التكليف وقد علمنا أنه لا يجوز حصوله لما بينه وبين التكليف من التنافي ؛ لأن التكليف يتضمن المشاق كما تقدم بيانه. والثواب ينافي ذلك ولحصول الدلالة على دوام الثواب وحصول الدلالة على انقطاع التكليف بالموت والفناء. ومنها : أنه كان يلزم حصول سائر معلوماته تعالى ولو حصلت لأدى إلى خروجه تعالى عن كونه فاعلا مختارا وذلك محال. ومنها : أنه يعلم أنه يعاقب المجرمين في نار جهنم وأنه يقيم القيامة ، فكان يلزم حصول ذلك في الحال ، وذلك يبطل التكليف ؛ لأنهم يصيرون ملجئين إلى فعل الطاعة ، واجتناب المعصية ، والإلجاء ينافي التكليف كما تقدم ، إلى غير ذلك من الجهالات. والذي يدل على أن العلم لا يؤثر في المعلوم وجوه كثيرة منها : أن العلم بالمعلوم يتبع المعلوم ، ولا يتبع المعلوم العلم ؛ لأن علم زيد بكون بكر في الدار يتبع كونه في الدار في أنه يجب أن يعلم أن كونه في الدار حتى يكون علما ، وكونه في الدار لم يحصل من حيث علم كونه في الدار ، وعلم زيد بكون بكر في الدار لم يوجب كونه ، بل كونه في الدار كالموجب ؛ لكونه عالما به أن يعلمه وعلمه صحيح وهذا واضح. ومنها : أنه كان يجب إذا أخبرنا أو دلّلنا أو علمنا أوصاف القديم تعالى أن نكون قد جعلناه على ما هو عليه بالخبر أو بالدلالة أو بالعلم على أنه يجب أن لا يكون العلم بأن يوجب كون المعلوم بأولى من أن يكون المعلوم موجبا للعلم ؛ لأنه كما يجب أن يكون المعلوم على ما يتناوله العلم ، كذلك العلم إنما يكون علما لوقوع المعلوم على الحد الذي تناوله وهذا ظاهر الفساد.