ومنها : أنا نعلم المعدومات فكان يجب أن نؤثر فيها ؛ لأجل علمنا بها إلى غير ذلك من الأدلة ، وهي ظاهرة إلا أن القدرية كابروا في ذلك. ومما يتعلقون به قول الله : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً) [آل عمران : ١٤٥] قالوا فأخبر أنه لا يموت أحد إلا بإذنه فاتضح أن موت الجميع بأجل معلوم جعله الله له فلا يتأخر عنه ولا يتقدم عليه سواء كان قتلا أو لا. والجواب : أنه لا خلاف أن الإنسان يموت بأجله ؛ بمعنى أنه يموت عند الوقت الذي علم الله أنه يموت فيه ، وليس في الآية ما يدل على أنّ أحدا لا يقدر أن يقتله قبل. ولا فيها ذكر ، لذلك لا بإثبات ولا بإبطال ، وهو موضع النزاع ؛ فسقط تعلقهم بظاهر الآية. ثم يقال لهم : إن الإذن في اللغة على ثلاثة وجوه لا غير : أحدها بمعنى الأمر كما قال الله تعالى : (فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ) [البقرة : ٩٧] أي بأمره. وثانيها بمعنى الإباحة والإطلاق ، كقوله تعالى : (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَ) [النساء : ٢٥] أي بإطلاقهم. وقوله : (لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) [النور : ٥٨]. وقوله : (فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ) [النور : ٦٢]. وثالثها بمعنى العلم كقول الحارث بن حلّزة (١) :
آذنتنا ببينها أسماء |
|
ربّ ثاو يملّ منه الثّواء |
آذنتنا ببينها ثمّ ولّت |
|
ليت شعري متى يكون اللّقاء (٢) |
ولا يجوز أن يكون المراد به الأمر ، والإباحة ؛ لأن الموت ليس إلى الإنسان فيكون مأمورا به ، ولا مباحا له ؛ لأنه ليس من فعله فلم يبق إلا أن يريد بقوله :
__________________
(١) هو شاعر جاهلي ، من أهل بادية العراق من آثاره معلقته ، جمع بها كثيرا من أخبار العرب توفي ٥٠ ق. ه. ينظر معجم المؤلفين ١ / ٥١٨. والأعلام للزركلي ٢ / ١٥٤. والأغاني ١١ / ٤٢ ـ ٥١.
(٢) أنظر ديوانه ص ٣٧.