ما ذهبنا إليه وإبطال قولهم دليل العقل والكتاب والسنة والإجماع. أما دليل العقل : فهو أن العقلاء يعلمون بعقولهم ضرورة حسن اكتساب المنافع ، كما يعلمون ضرورة حسن دفع المضار. والأمر في ذلك ظاهر. وأما الكتاب ؛ فقوله تعالى : (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) [الجمعة : ١٠] ، وقوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) [النساء : ٢٩].
وأما السنة : فما روي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «التّاجر الصّدوق مع النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين ، وحسن أولئك رفيقا» (١). وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «تسعة أعشار الرّزق في التجارة» (٢). ولما روي أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان برهة من دهره تاجرا وكان يسافر للتجارة. وروي أنه باع واشترى حاضرا حتى قال المشركون : (ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) [الفرقان : ٧] ، فأوحى الله إليه : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) [الفرقان : ٢٠]. وروي عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : «من طلب الدنيا حلالا سعيا على أهله وتعطّفا على جاره ، واستعفافا عن المسألة لقي الله ونور وجهه كالقمر ليلة البدر» (٣). وعن ابن عباس أنه قال : مرّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بقوم بموضع يقال له : قبا بالمدينة ، فمنهم من يصلي ، ومنهم من يتذاكر العلم ،
__________________
(١) أخرجه الترمذي ٣ / ٥١٥ رقم ١٢٠٩. والدارمي ٢ / ٢٤٧.
(٢) أخرجه الهندي في كنز العمال ٤ / ٣٠ برقم ٩٣٤٢ عن نعيم بن عبد الرحمن الأزدي ويحيى بن جابر مرسلا.
(٣) أخرجه المرشد بالله في أماليه ٢ / ١٧٣. وفي الحلية ٨ / ٢٣٥ برقم ١١٩٩٩. بلفظ : «من طلب الدنيا حلالا واستعفافا عن المسألة وسعيا على أهله ، وتعاطفا على جاره بعثه الله يوم القيامة ووجهه مثل القمر ليلة البدر. ومن طلبها حلالا مكاثرا لها مفاخرا لقي الله وهو عليه غضبان» وأقول : إن الغضب بسبب التكاثر والتفاخر حتى وإن كان الطلب من حلال. وشعب الإيمان ٧ / ٢٩٨ برقم ١٠٣٧٤ بلفظ مقارب.