واعلم أيها المسترشد أن الأنبياء (ع) بشر من الناس كانوا يأكلون الطعام ، ويمشون في الأسواق ، وهم مركّبون على الخطإ والنسيان إلا فيما أمروا بتبليغه فإنهم معصومون عن ذلك كما تقدم بيانه. وقد قال الله تعالى في نبينا عليهالسلام : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) [الأعلى : ٦] فثبت أنه يعصمه عن نسيان ما أمر بتبليغه.
وأما في غير ذلك فجائز عليهم النسيان. قال الله تعالى في آدم عليهالسلام : (فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) [طه : ١١٥]. ومعنى قوله : (فَنَسِيَ) أي نسي النظر ، وهو فعله لا فعل الله تعالى. وقيل : النسيان هاهنا بمعنى التّرك أي ترك النظر. ومعنى قوله (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) ، قيل : عزما على المعصية في المستقبل. وقال تعالى حاكيا عن موسى في اعتذاره إلى العالم عليهما جميعا السّلام : (لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ) [الكهف : ٧٣].
وروينا أن النبي محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم صلّى بجماعة الظّهر خمس ركعات ساهيا فلما أعلموه بذلك استقبل القبلة وهو جالس ، وسجد سجدتين ليس فيهما قراءة ولا ركوع وسلّم (١). وروي أنه سها عن التشهد الأوسط فلم يعد له ، ثم سجد سجدتي السهو بعد التسليم (٢). وكذلك فإنهم غير معصومين عن الشهوات ، بل هم مركّبون على شهوة القبائح والمعاصي ؛ لأنهم لو لم يكونوا كذلك لم يكن للواحد منهم ثواب في لزم نفسه وقمعها عن القبائح ، ولما كان محمودا على ترك اتّباع الشهوات ؛ ولكنهم أقوى على لزم أنفسهم عن
__________________
(١) المجموع للإمام زيد ١٢٣ ، وفي البخاري ١ / ٤١١ رقم ١١٦٨. ومسلم ١ / ٤٠٢. قبل التسليم.
(٢) البخاري ١ / ٤١١ رقم ١١٦٧. ومسلم ١ / ٣٩٩ رقم ٥٧٠. قبل التسليم والغرض الاستدلال على سهو النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.