وقد فسقا بخروجهما يوم الجمل (١) علي أمير المؤمنين عليهالسلام ، ونكثهما بيعته ، سواء قيل : إنهما تابا أم لا (٢). فثبت ما ذكرناه أنّ الخبر إن صح فإنه إخبار عن الحال فقط لا عن المآل (٣). ولنقتصر على هذا القدر من احتجاجاتهم الواهية ،
__________________
(١) معركة الجمل وقعت بسبب أن طلحة والزبير نكثا بيعة علي ، وذهبا إلى مكة فأخذا عائشة وفلول بني أمية والمنحرفين عن علي وتوجهوا إلى العراق ونزلوا بالبصرة ، وأحدثوا أحداثا ؛ فتوجّه علي واستنفر أهل الكوفة ، وطلب مقابلة الزبير وذكّره حديثا مفاده أنّ عليا دخل المسجد والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم جالس ومعه الزبير فقام الزبير فاعتنقه فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : أتحبه يا زبير؟ فقال : كيف لا وهو ابن خالي؟ فقال : أما إنك ستقاتله وأنت له ظالم. فقال الزبير : ذكرتني ما أنسانيه الدهر. فرجع نادما. فقتله ابن جرموز غدرا بوادي السباع. وجاء برأسه إلى علي (ع) فهز علي سيف الزبير وعيناه تدمعان وقال : سيف طالما جلى الكرب عن وجه رسول الله فقال ابن جرموز : الجائزة. فقال علي : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : بشر قاتل ابن صفية بالنار. فقتل ابن جرموز نفسه ، وقيل : قتل مع الخوارج. وكانت عائشة على جمل اتخذه جيشها بمثابة الراية واستمر الموت حوله. وسمي بيوم الجمل ، وقتل أكثر من ثلاثين ألف ، وانتصر عليهم الإمام علي فعاملهم معاملة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم للطلقاء يوم فتح مكة.
(٢) في (ب) ، (ج) : أولا. والأصح ما في الأصل. أرجو أن يكون طلحة والزبير وعائشة قد تابوا.
(٣) إن صح الحديث فهو إخبار عن الحال ؛ لأن بعض المبشرين بالجنة في الحديث صدر منهم أمور تحير العقلاء ؛ فعثمان أنكر عليه الصحابة أشياء تسببت في قتله ، والذي لم يشترك في قتله منهم لم ينصره. وطلحة والزبير نكثا بيعة الإمام علي (ع) بدون مبرر وتسببا مع عائشة في قتل ثلاثين ألف أو أكثر في معركة الجمل ، وهذا الفعل من عظائم الأمور. ثم إن الحديث أحادي ظني ، رواه الترمذي رقم ٣٧٤٧ رغم ما أثير حوله من خلاف ، كما أن الترتيب فيه بين الصحابة يوحي بالصنعة ، وهو ما حمل كثيرا من علماء الزيدية وأئمة أهل البيت على رده ؛ لأن الله سبحانه ـ وهو الحكيم ـ لا يخبر أحدا أنه من أهل الجنة إلا إذا علم أنه لا يفعل كبيرة ، وإلا كان إغراء له على القبيح. وقد أجمعت الأمة على تفسيق من قاتل إمام حق ونكث بيعته وشق عصى المسلمين ، فكيف بالخلاف على من حكمه حكم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلا في النبوة؟ ومن حبه إيمان وبغضه نفاق؟ وهذا دليل قاطع بعدم صحة الحديث. وهذا بخلاف العمومات الدالة على رضي الله عن أهل بيعة الرضوان وغيرهم التي تقبل التقييد في قوله تعالى : (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ) ؛ فالعموم يتناول من استمر على صلاحه إلى الموت ، والتقييد يخرج من انقلب. نسأل الله التوبة وحسن الخاتمة آمين.