وصام نهاره وأنفق ماله في سبيل الله علقا علقا (١) وعبد الله بين الركن والمقام حتى يذبح بينهما مظلوما ، لما صعد إلى الله من عمله وزن ذرة حتى يظهر المحبة لأولياء الله والعداوة لأعدائه» (٢).
وقد علمت أيها المسترشد شفقة الوالد على ولده ، وفرط محبته له ، فلما عصى الله تعالى ابن نوح قال له نوح عليهالسلام : (يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ* قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) [هود : ٤٢ ـ ٤٣] ، ثم ظن نوح عليهالسلام أنه ممن وعده الله نجاته ، (فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) [هود : ٤٥]. فأجابه الله سبحانه : (قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) [هود : ٤٦] فعند ذلك تاب نوح عليهالسلام واعترف واستعاذ بالله عزوجل : (قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ* قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ) [هود : ٤٧ ـ ٤٨].
وهكذا قد عرفت عظم حرمة الوالد وحقه الذي ألزمه الله تعالى ولده وافترضه عليه فقال : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) ، وقال : (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً* وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً) [الإسراء : ٢٣ ـ ٢٤] ولو علم الله أدنى من «أفّ» لذكره ، وقال :
__________________
(١) العلق : النّفس.
(٢) رواه الناصر الأطروش في البساط ص ٦٩.