[النساء : ١٦٦] ومتى عدل الخصم عن ظاهر هذا الخطاب سقط تعلقه ، وإذا سقط تعلقه ، قلنا : إنّ معنى ذلك أنّه تعالى أنزله وهو عالم به ، كما بينا ذلك في «كتاب إرشاد العباد إلى سويّ الاعتقاد» ، وبيّنا الوجوه التي تحتمل ذلك من جهة اللغة ، ثم أبطلنا جميعها إلا ما ذكرناه هاهنا.
[ومن ذلك قوله تعالى : (فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ) [هود : ١٤]. والجواب : أنه لا تعلق لهم به من حيث إنّه يقتضي أنه آلة الإنزال ، وهذا مما لا خفى في فساده] (١). ويجوز أن يكون معنى قوله : (بِعِلْمِ اللهِ) يعني وهو عالم أنه لا يقدر أحد على معارضته ، وعالم بوجوهه التي أوقعه عليها.
وبعد : فلفظة العلم مصدر [من] (٢) قولهم : علم يعلم علما ، والمصدر يتردد بين الفاعل والمفعول ، فتارة يراد به الفاعل ، وتارة يراد به المفعول ، يقال : فعلت كذا بعلمي ، أي وأنا عالم به ، ويقال : ليكن جميع ما يفعله فلان بعلمك ، أي لتكن عالما بجميع ما يفعله. ويقال : علم الهادي (٣) إلى الحق عليهالسلام ، أي معلومه ، وكذلك علم الشافعي وأبي حنيفة.
وإذا كثر استعمال ذلك تارة عن العالم وتارة عن المعلوم ، وجب صرفه في كل موضع إلى ما يليق به من المعنى دون إثبات المعنى الذي هو العرض.
ومن ذلك قوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) [آل عمران : ١٤٢] ، وقوله تعالى : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ
__________________
بقوله تعالى : (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ ، أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ). الآية. والله أعلم.
(١) ما بين القوسين ساقط في الأصل. وهو موجود في (ب).
(٢) في (ب) : لا توجد من ، فيكون مصدر مضاف.
(٣) في بقية النسخ : ويقال : هذا علم الهادي.