عَلى عَقِبَيْهِ) الآية ، [البقرة : ١٤٣]. وقوله تعالى : (وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ) [سبأ : ٢١] الآية ، وقوله عزوجل : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً) [الأنفال : ٦٦] ، وقوله سبحانه : (لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) [يونس : ١٤] ، وقوله تعالى : (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) [طه : ٤٤].
فالمخالفون تعلقوا بهذه الآيات ، وقالوا : إنه لم يكن عالما قبل ذلك ، وإنما حدث له العلم ؛ لأنه لا يجوز أن يقول مثل ذلك وهو به عالم.
والجواب : عن ذلك أنّ ما ذكروه لا يصح ؛ لأنّ العلم بحالهم وما كلّفهم لو لم يتقدم لقبح التكليف أصلا ؛ لأنه إنما يحسن من المكلّف أن يأمر (١) بما يعلم حسنه ، وأنّ المكلّف متمكن من فعله على الوجوه التي كلّف. فكيف يصح مع هذا أن يكون علمه بحالهم حادثا بعد التكليف عند فعلهم ما كلّفوا.
على أنه ليس في ظواهر هذه الآيات ما ينبئ عن كونه غير عالم بما سيكون منهم ، وإنما فيه أنهم لا يدخلون الجنة حتى يعلم المجاهدين منهم ، وحتى يعلم من يؤمن. والعالم بالشيء (٢) إنما يكون عالما به إذا علمه على ما هو به.
فالله تعالى إنما يعلم المجاهد مجاهدا إذا جاهد ، ويعلمه مؤمنا إذا آمن ، وليس في ذلك نفي كونه عالما بمن سيؤمن وسيجاهد ، وهذا موضع الخلاف.
فأما معنى هذه الآيات فهو أن أهل اللغة لفصاحتهم ، من عادتهم أن يخبروا عما يريدون الإخبار عنه بأن يعلّقوا الخبر والوصف بما يوجد عند وجوده ، وذلك يختلف : فمن ذلك تسميتهم النبوة رحمة ، في قوله تعالى : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) [الزخرف : ٣٢] فسمّى النبوة رحمة لمّا كان إيتاؤه إيّاها
__________________
(١) في (ب) : يأمرهم.
(٢) في (ب) : بشيء.