تأخر ، ما ضره لو حضر مجلسنا ، وسمع كلامنا ، وافتقد أحوالنا ، فإن رأى رشدا اتّبعه مع المتبعين ، وخرج عن ربقة المبتدعين ، وغسل درن الشك (١) بماء اليقين ونجا وفاز ببرد علم اليقين ، ودخل في زمرة المحققين (٢).
وإن رأى ـ والعياذ بالله ـ غيّا فارق مع المفارقين. فأما ادعاؤه كونه من الهداة المهتدين ، وأنّ خصماه من جملة المعتدين ، فإنّ الدعاوى متساوية من المدّعين ، ولكن أين الثّمد من المعين؟ (٣) وأين السلسبيل من الغسلين؟ وأين الشك من اليقين؟ دعوناه للإبانة فبان ، ولو أجاب لوقف على البيان. يا عجبا! ممّن يتّبعه مع جهله ، ويسمه (٤) بالفضل وليس من أهله كيف فضل الجمّا على الجمّا؟ وكيف ينقاد الأعمى للأعمى؟ (٥) إنما الفضل لعلماء آل (٦) الرسول ، وأسباط ابنته الطاهرة البتول ، الذين قضى بفضلهم الكتاب ، وأمر بسؤالهم ربّ الأرباب فقال تعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [النحل : ٤٣] ، (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) [يونس : ٣٥].
__________________
(١) في (ب) : الشك والشرك.
(٢) في (ب) : المحقين.
(٣) الثّمد والثّمد : الماء القليل الذي لا مادة له. المختار ٨٦.
(٤) في (ب) : ويسميه.
(٥) أقول : لقد أنصف من دعا للمناظرة ، واستعدّ للمناقشة والمحاورة ؛ ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيى من حيّ عن بينة ، وها نحن في زمن نواجهه فيه صمّا وبكما وعما. لم يملكون من العلم سوى الدعوى ولا يصدر عنهم إلا الداء العياء. قوم فاقوا خوارج الماضي بحب الدنيا.
(٦) «آل» محذوفة في الأصل ، ولا يصح المعنى إلا بها ؛ فأثبتناها كما في (ب).