والجواب : أن ظاهر الآية يقتضي أن يكون له قوة شديدة ، والشدة إنما هي الصلابة ، ولا يجوز وصف القوى والأعراض بالشدة والصلابة على الحقيقة.
وبعد فالقوى إنما تستعمل في الأجسام ذوات الجوارح والمحتملة للأعراض ، فيقال : فلان ذو قوة ، وإنه لذو قوة شديدة إذا كانت جوارحه متينة مكبّدة (١) ، صلبة الأعصاب (٢) ، غير رخوة ، وكل ذلك ما لا يقولون به ، وعلى أن ظاهر الآية يقتضي أن يكونوا يعلمون أنه أشدّ منهم قوة من حيث علموا أنه خلقهم. فالواجب أن ينظروا ، فإن كان خلقه إياهم يقتضي أنّ له قوة ويدل عليه قضي به ، وإن لم يدل عليه ودل على غيره مما يمكن صرف الآية إليه مما هو مجاز وجب رده إليه. ومعنى ذلك أنه تعالى أقوى منهم ، أي أقدر (٣) ، وذلك شائع في اللغة العربية ، فإنّ ذلك يجري مجرى قول القائل : فلان أشدّ من فلان بأسا وقوة ، فلا يخطر ببال أحد من أهل اللغة أن هناك معاني ، بها صار أقوى ؛ لأنهم لا يعرفون المعاني التي أثبتها المتكلمون ، وإنما يقصدون به أنه أقدر منه على الأمور وأقوى ، فأراد الإخبار عن كونه قادرا على حدّ لا يساويه قادر في ذلك ، فيجب حمل كلامه على المعنى اللغوي ؛ لأنه نزل على اللغة العربية ، فقال تعالى : (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) [الشعراء : ١٩٥] ، فيجب حمله على ذلك دون ما ذكروه من الأعراض.
__________________
(١) الكبد ـ بفتح الكاف والباء : الاستواء والاستقامة. وفي حديث الخندق : «فعرضت كبدة شديدة» بسكون الباء. وهي القطعة الصلبة من الأرض. [تاج العروس ٥ / ١٢١٨].
(٢) في (ب) مؤكدة صلبة الأعضاء وفي هامش (ب) مبنية مؤكدة. وفي هامشها أيضا : مكينة قال نسخة.
(٣) أنظر الكشاف للزمخشري ٤ / ١٩٣.