معروف في لغة العرب (١) ، لو لا الميل إلى الاختصار لذكرنا مثاله. وإذا ثبت ذلك فلا بد أن يجري الله في خطابه للعرب على طريقتهم من استعمال المجاز لفصاحته ، وإلا لم يكن مخاطبا بلغتهم ، وكذلك فإنّ من المشهور في لغة العرب أنّ الواحد منهم يقيم نفسه في خطابه مقام غيره في كثير من المواضع مع حذف المعنيّ (٢) ، فكذلك جرى الله في خطابه لهم على طريقتهم ؛ فإنه أقام نفسه مقام غيره في كثير من المواضع وحذف المعنيّ ، نحو قوله تعالى : (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ) ... الآية [النحل : ٢٦].
ونحو قوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ) [البقرة. ٢١] ، أي عذابه ، وكذلك قوله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) [الفجر : ٢٢] أي أمر ربك (٣) ، وذلك من المجاز بالحذف والنقصان على ما تقدم ذكره. فإذا كان الحذف جائزا إذا كان هناك مانع عن الجري على الظاهر ، أو يستحيل الجري على الظاهر نحو ما ذكرنا في القرية ، فكذلك لمّا
__________________
(١) والقرآن عربي مبين وهذا موجود في لغة العرب ، والعرب تأتي ب «لا» في كلامها وهي لا تريدها ، وتطرحها وهي تريدها. مثل : (فَلا أُقْسِمُ) ، (تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ).
(٢) في الأصل : وحذف المعنى ، وفي هامش (ب) : مع صدق المعنى. ظ.
(٣) هكذا فسرها أحمد بن حنبل ينظر دفع شبه التشبيه ص ١٤١ ، وهو قول الحسن وأبو علي كما في الطبرسي ١٠ / ٣٥٣. وانظر الحاكم الجشمي ص ٢٩٤ ، ومتشابه القرآن للقاضي عبد الجبار ٢ / ٦٨٩ ؛ حيث قال ـ بعد قوله : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ) : لا يدل على صحة ما يتعلق المشبهة في أنه تعالى كالواحد منا. في أنه يجيء ويذهب ، ولو كان كذلك لكان محدثا مدبّرا مصوّرا ، والمراد بذلك : وجاء أمر ربك ، أو : متحملو أمر ربك للمحاسبة والفصل. على ما يقال في اللغة عند التنازع في الأمر الذي يرجع فيه إلى بعض الكتب : إذا جاء الشافعي فقد كفانا ، ويريدون بذلك كتابه. وإذا جاء الخليل في العروض انقطع الكلام ، والمراد به كلامه في ذلك. وينظر في ذلك الجامع للقرطبي مج ١٦ / ٣١ / ١٧٤. والفخر الرازي ١٦ / ٣١ / ١٧٤.