فهذا (١) يدل على إجازة المجيء والإتيان عليه تعالى. والجواب أنّ الظاهر لا تعلّق لهم فيه (٢) ؛ لأنه ليس بإيجاب. إنما قال : (هَلْ يَنْظُرُونَ) [البقرة : ٢١٠]. أي هل ينتظرون شيئا سوى ذلك. ثم لو اقتضى ظاهره (٣) ما قالوه للزمهم أن يكون تعالى أصغر من الظّلل ؛ فيكون محدودا ، وأن يكون هو والملائكة في الظلل ، وهم لا يقولون بذلك. ومتى تأوّلوه فقد سوّغوا للخصوم مثله. وبعد فإن القول بذلك يوجب كونه تعالى جسما وجوهرا يجيء ويذهب ويقرب ويبعد ويظهر ويخفى ، وهذه صفة المحدثات ، وقد ثبت أنه تعالى ليس بجسم ولا جوهر ، فلا يجوز عليه شيء من خصائصهما على نحو ما تقدم. ولا يجوز عليه تعالى الزيادة والنقصان ولا شيء من الأعضاء والآلات ، لأنها من قبيل الأجسام والمتحيّزات ، وهو تعالى ليس بجسم ولا بجوهر على ما تقدم تحقيقه. وقد أكد الشرع ذلك ، فقال تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١] ، وذلك معلوم من سنة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ضرورة. فبطل ما ذهبوا إليه وتعلقوا به.
وأما معاني هذه الآيات فاعلم أنّ الله تعالى خاطب بلغة العرب ، وهم يخاطبون بالمجاز. وهو عندهم على ضربين ؛ مجاز بالحذف ، ومجاز بالزيادة. فالمجاز بالحذف نحو قوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها) [يوسف : ٨٢]. يريد أهل القرية ويريد القافلة ؛ لأن المعلوم ضرورة استحالة النطق على القرية وعلى العير (٤) ، والمجاز بالزيادة نحو قوله تعالى (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) [الحديد : ٢٩] أي لأن يعلم ، ولا زائدة (٥) وذلك
__________________
(١) في (ب) : قالوا ، (ج) : فهذا.
(٢) في (ب) : به.
(٣) في (ب) : ظاهرها.
(٤) الدر المصون ٦ / ٥٤٤.
(٥) يقال لها في القرآن : صلة وتوكيد ، تأدّبا مع كلام الله. الدر المصون ١٠ / ٢٥٨.