ولا أعلم ما في غيبك (١). ومثل ذلك روي عن مجاهد ، وفسّره جماعة من الصحابة ، منهم ابن عباس بأن معنى (٢) ذلك تعلم ما في سري ولا أعلم ما في سرك (٣). وهذا القول ليس ببعيد عن الصحة ؛ فإن السر وإن لم يكن يسمّى نفسا ـ فإنما ذهب المفسرون إلى معنى ما في قوله ولا أعلم ما في نفسك ؛ لأن الذي يقع على غير النفس ، والذي في النفس شيئان : أحدهما الأعضاء الباطنة ، والآخر ما يعتقده الإنسان في قلب (٤) وهو السر. فلمّا لم يرد الأعضاء الباطنة علم أن المراد به السّرّ والعرف جرى عليه ، وذلك لأنه لما كثر قولهم أخفى في نفسه شيئا ، وأضمر في نفسه شيئا ، ولا أعلم ما في نفسه ، وكثر استعمالهم له ـ صارت هذه اللفظة عبارة عن السر والغيب لكثرة الاستعمال. وهذا المعنى هو الذي يقتضيه نمط الآية ؛ لأنه [عيسى] لمّا أراد بذلك البراءة مما تقوّل عليه من جعله إلها بيّن أنه لو قال ذلك لعلمه الله ؛ لأنه يعلم سره ، فكيف لو جهر به.
ومما تعلقوا به قوله تعالى : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) [آل عمران : ٢٨]
__________________
(١) المارودي ٢ / ٨٨. والكشاف ١ / ٦٩٤. والرازي مج ٦ ج ١٢ ص ١٤٣. حيث قال : المسألة الثانية ـ تمسكت المجسمة بهذه الآية ، وقالوا : النفس هو الشخص ، وذلك يقتضي كونه تعالى جسما ، والجواب من وجهين : الأول ـ النفس عبارة عن الذات يقال : نفس الشيء وذاته بمعنى واحد. والثاني ـ أن المراد تعلم معلومي ولا أعلم معلومك ، ولكنه ذكر هذه الكلام على طريق المطابقة والمشاكلة. وهو فصيح. وينظر القرطبي ٦ / ٢٤٢.
(٢) في (ب) أن معنى.
(٣) الدر المصون للحلبي ٤ / ٥١٤.
(٤) في (ب) : في قلبه ، ولعل الهاء ملحقة.