قالوا : فأثبت له نفسا فدل ذلك على مشابهته لنا. والجواب : أنا قد أبطلنا فيما تقدم ما ذهبوا إليه من أنه تعالى يشبه الأجسام ، وبيّنا أنه لا مثل له ولا نظير ، ودللنا على ذلك بأدلة العقول ، وأوردنا أدلّة الشرع على جهة التأكيد ؛ لذلك فلا يجوز حمل الآية على ما يخالف جميع ذلك ، ونقول : إنّ قوله : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) ذكر عائد (١) على المحذّر ، وهذا كقوله : (فَاتَّقُوا اللهَ) [آل عمران : ٥٠] ، وقوله : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) [البقرة : ٢٨١] ، واليوم لا يتّقى ، وإنما يتّقى ما يقع فيه ، وذات الله لا تتّقى ، وإنما يتّقى فعل (٢) منه. والعرف قائم يدل على أن المراد به العقاب الذي يفعله المحذّر ، وإن لم تكن العقوبة تسمّى نفسا في اللغة. ومثل ذلك مرويّ عن ابن عباس فإنه قال في قوله تعالى : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) ، قال : عقوبته. وعن الحسن قال : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) ، قال : عقابه ونقمته (٣). وأما قوله تعالى : (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) [طه : ٤١] ، فمعناه لديني. وقيل : لإرادتي (٤). وقوله تعالى : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) [الأنعام : ١٥٤] فإنه ذكر عائد على الرب ، وعلى التاء في قوله : (وَاصْطَنَعْتُكَ).
__________________
(١) المعنى : أن كلمة «نفسه» لا تدل على أن لله تعالى نفسا ، وإنما هي ذكر عائد ، أي ضمير عائد على الله ، فهي تشبه (فَاتَّقُوا اللهَ) ، كأنه قال : «ويحذركم الله الله». وإعراب «ذكر» بالضم خبر إنّ ، وهو مضاف إلى عائد ، وفي بعض النسخ «ذكر» بالتنوين خبر أيضا وعائد بالضم والتنوين صفة لعائد ، والأول أدق.
(٢) في (ج) : بحذف فعل.
(٣) تفسير الرازي مج ٤ ج ٨ ص ١٥. وتفسير الألوسي ٣ / ٢٠٢ عن ابن عباس. ولم يذكر الحسن. والدر المصون ٤ / ١١٣.
(٤) الخازن مع البغوي ٤ / ٢٥٣.