وهذا نحو قولهم : اخترت كذا لنفسي ، وفعلته بنفسي (١) ، ليس يخطر ببال أحد أنّ النّفس في مثال ذلك شيء غير القائل ، وإنما أرادوا بذلك التمكن من الإخبار بأنّ الفاعل والمفعول واحد على ما بيّنّاه.
ومن ذلك قوله تعالى : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ). الآية [الزمر : ٦٧]. قالوا : فدلّ على أنه قابض على الأرض ، وأنّ السموات بيمينه. وذلك يدل على الأعضاء (٢).
والجواب أنا قد دللنا على أنه ليس بجسم ، ولا يجوز عليه الأعضاء ، بأدلة العقل ومحكم القرآن ؛ فأما معنى ذلك فقوله (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) ، أي ما عظّموه حقّ عظمته. وقوله : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ، أي يقدر عليها كما يقدر من الشيء في قبضته على ذلك الشيء. وعن ابن عباس قال في قوله تعالى : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ) ، قال : في ملكه وقدرته. ومثله روي عن مجاهد (٣).
وأما قوله : (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) ، فقد ذكرنا أنّ الوجوه التي تحتملها اليمين في اللغة وتنطلق عليها خمسة. وفصّلنا ذلك في كتاب الإرشاد ، فلا نطول بذكره هاهنا ، بل نقصد معنى الآية ، فقوله : (مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) ، أي في قدرته يفعل ما يشاء بقوّته ، وذلك لأنّ معناه أن السموات تطوى أي ترفع أعمادها بقدرته التامّة ، وقوّته الخفية ، وكذلك قوله : (لَأَخَذْنا
__________________
(١) في (ب) : لنفسي.
(٢) ينظر في ذلك البخاري كتاب التفسير رقم ٤٥٣٣ ، و ٤٥٣٤.
(٣) ينظر القرطبي ١٥ / ١٨١ ، قال : إن معناها القدرة والإحاطة ، وهو منزه عن الجارحة والأعضاء.