لا يقول به أحد. وكذلك قوله : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) يوجب أن يكون وجهه حيث يتوجه الإنسان ، ويوجب أن يكون بجميع النواحي في الحالة الواحدة ؛ لتوجّه الناس إليه من كل وجهة ، وهذا مما لا يطلقه مسلم. والإجماع يرده ، والكفر لا يفارق قائله. فإذا تقرر ذلك بطل تعلقهم بالظاهر. على أنّ ذلك يؤدي إلى مناقضة القرآن ، وإيجاب التجسيم ؛ لأنه ينفي الوحدة ، ويوجب التكثير. والعقل يقضي بفساده. وقد بينا في كتاب الإرشاد ما تحتمله لفظة الوجه من المعاني اللغوية. والغرض الاختصار هاهنا. فلنتكلم في معنى لفظة الوجه في هذه الآيات ، فنقول : بأن معنى قوله : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) أي فان ألّا وجهه أي إلّا هو (١). عن مجاهد. وقيل : دينه ، عن الصادق عليهالسلام. وقيل : إلا ما أريد به وجهه ، عن أبي العالية (٢). وكذلك قوله : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) [الرحمن : ٢٧] أي يبقى هو. كما يقال : هذا وجه الرأي ووجه الصواب ، أي هو الرأي وهو الصواب (٣).
وروي عن ابن عباس في قوله : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) [الرحمن : ٢٧] أنه قال : يفنى كل شيء ويبقى الله وحده. ومعنى قوله : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) روي عن مجاهد (فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) أي قبلة الله ، وعن الحسن (فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) قال : وجه الله الذي وجهكم إليه. وقيل : (فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) أي رضوان الله (٤).
__________________
(١) ينظر الكشاف ٣ / ٤٣٧.
(٢) ينظر في كل ذلك القرطبي ١٣ / ٢١٣. والخازن مع البغوي ٥ / ٣٩. والطبري مج ١١ ج ٢٠ ص ١٥٥. وقال في الكشاف ٣ / ٤٣٧ : إلا إياه ، والوجه يعبّر به عن الذات.
(٣) مجمع البيان للطبرسي ٧ / ٤٦٥. والكشاف ٤ / ٤٤٦ ، قال : ذاته.
(٤) تفسير القرطبي ١٧ / ١٠٨.