وأما معنى الآية ، فمعنى قوله : (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) أي بأمره وعلمه وتدبيره ، وهو شائع في اللغة العربية (١) ، لا ينكر ذلك من له أدنى معرفة بها.
وكذلك قوله تعالى : (لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) [إبراهيم : ١] ، أي بأمر ربهم وتوفيقه إياهم ، وهو من له لطف (٢). وكذلك قوله : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي) [المائدة : ١١٠] ، أي بأمري. وقوله : «فيكون طائرا بإذني» أي بفعلي له (٣) ، وكذلك سائر الآيات التي تجري هذا المجرى.
[اليد في القرآن]
ومن جملة ما تعلقوا به آية اليد وهي قوله تعالى : (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) [المائدة : ٦٤] ، قالوا : وهذا يدل على أن له جارحتين كالواحد منا (٤).
والجواب : أنا قد دللنا بأدلة العقول على إبطال مذهبهم ، وأكّدنا ذلك بما ذكرناه من محكم القرآن نحو قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١] وغير ذلك. فإذا ثبت ذلك ؛ فاليد تنصرف [في اللغة] على ثمانية معان (٥)
__________________
(١) ينظر تاج العروس ١٨ / ١١.
(٢) ربما أراد أن التوفيق لمن له لطف من الله. ينظر القرطبي ٩ / ٢٢٢.
(٣) الماوردي ٢ / ٨٠.
(٤) الرازي مج ٦ ج ١٢ ص ٤٥ ، وقال : اختلفت الأمة في تفسير يد الله تعالى ؛ فقالت المجسمة : إنها عضو جسماني كما في حق كل أحد. وقال بذلك ابن خزيمة في كتاب التوحيد ص ٥٦.
(٥) عبارة اليد تطلق على وجوه : أحدها الجارحة. ثانيها النعمة ، نحو لفلان عندي يد. وثالثها القوة ، نحو أولي الأيدي. رابعها الملك ، نحو الضيعة في يد فلان. خامسها شدة العناية والاختصاص ، نحو لما خلقت بيدي. فذهب الناس في تفسيرها إلى مذاهب : مذهب المجسمة وقد أثبتوا الجارحة لله. مذهب المفوضة وهم بعض السلف حيث قالوا : تحتمل الجارحة وعدمها ؛ فلا نجزم بأيهما ونفوض الأمر لله. مذهب العدلية وهو ينفي التجسيم نفيا قاطعا كما ذكر المؤلف. ينظر تفسير الرازي مج ٦ ج ١٢ ص ٤٤.