الأول تجرد عارضها وهو العلم وتقرير هذا الوجه أن هاهنا معلومات مجردة عن المواد فالعلم المتعلق بها يكون لا محالة مطابقا لها فيكون مجردا لتجردها فمحله وهو النفس يجب أن يكون مجردا لاستحالة حلول المجرد في المادي.
قال : وعدم انقسامه.
أقول : هذا هو الوجه الثاني وهو أن العارض للنفس أعني العلم غير منقسم فمحله أعني المعروض كذلك وتقرير هذا الدليل يتوقف على مقدمات : إحداهما أن هاهنا معلومات غير منقسمة وهو ظاهر فإن واجب الوجود غير منقسم وكذا الحقائق البسيطة ، الثانية أن العلم بها غير منقسم لأنه لو انقسم لكان كل واحد من جزئيه إما أن يكون علما أو لا يكون ، والثاني باطل لأنه عند الاجتماع إما أن يحصل أمر زائد أو لا فإن كان الثاني لم يكن ما فرضناه علما بعلم هذا خلف ، وإن كان الأول فذلك الزائد إما أن يكون منقسما فيعود البحث ، أو لا يكون فيكون العلم غير منقسم وهو المطلوب وإن كان كل جزء علما فإما أن يكون علما بكل ذلك المعلوم فيكون الجزء مساويا للكل هذا خلف ، أو ببعضه فيكون ما فرضناه غير منقسم منقسما هذا خلف ، الثالثة أن محل العلم غير منقسم لأنه لو انقسم لانقسم العلم لأنه إن لم يحل في شيء من أجزائه لم يحل في ذلك المحل ، وإن حل فإما أن يكون في جزء غير منقسم وهو المطلوب ، أو في أكثر من جزء فإما أن يكون الحال في أحدهما عين الحال في الآخر وهو محال بالضرورة ، أو غيره فيلزم الانقسام ، الرابعة أن كل جسم وكل جسماني فهو منقسم لأنا قد بينا أن لا وجود لوضعي غير منقسم وإذا ثبتت هذه المقدمات ثبت تجرد النفس. وفيه نظر للمنع من المساواة مطلقا عند المساواة في تعلق الجزء بكل المعلوم كالكل.
قال : وقوتها على ما تعجز المقارنات عنه.
أقول : هذا هو الوجه الثالث وتقريره أن النفوس البشرية تقوى على ما لا تقوى عليه المقارنات للمادة فلا تكون مادية لأنها تقوى على ما لا يتناهى لأنها تقوى على تعقلات