لما ثبت من حدوث العالم وهي من جملة العالم ولأجل ذلك قال المصنف ـ رحمهالله ـ وهو ظاهر على قولنا.
وأما الحكماء فقد اختلفوا هاهنا فقال أرسطو إنها حادثة وقال أفلاطون إنها قديمة ، والمصنف ـ رحمهالله ـ ذكر هاهنا حجة أرسطو أيضا على الحدوث.
وتقرير هذه الحجة أن النفوس لو كانت أزلية لكانت إما واحدة أو كثيرة والقسمان باطلان فالقول بقدمها باطل أما الملازمة فظاهرة وأما بطلان وحدتها فلأنها لو كانت واحدة أزلا فإما أن تتكثر فيما لا يزال أو لا تتكثر والثاني باطل وإلا لزم أن يكون ما يعلمه زيد يعلمه كل أحد وكذا سائر الصفات النفسانية لكن الحق خلاف ذلك فإنه قد يعلم زيد شيئا وعمرو جاهل به ولو اتحدت نفساهما لزم اتصاف كل واحد بالضدين. والأول باطل أيضا لأنها لو تكثرت لكانت النفسان الموجودتان الآن إما أن يقال كانتا حاصلتين قبل الانقسام فقد كانت الكثرة حاصلة قبل فرض حصولها هذا خلف ، وإما أن يقال حدثتا بعد الانقسام وهو محال وإلا لزم حدوث النفسين وبطلان النفس التي كانت موجودة وأظن أن قوله ـ رحمهالله ـ وإلا لزم اجتماع الضدين إشارة إلى هذه اللوازم الناشئة عن هذا القسم من المنفصلة لأن القول بالوحدة فيما لا يزال يستلزم اتصاف النفوس بالضدين والقول بالكثرة فيما لا يزال مع حصولها يستلزم تكثر ما فرضناه واحدا وهو جمع بين الضدين أيضا والقول بالكثرة مع تجددها يستلزم بطلان النفس الواحدة وحدوث هاتين النفسين مع فرض قدمهما وهو جمع بين الضدين أيضا.
وأما بطلان كثرتها أزلا فلأن التكثر إما بالذاتيات أو باللوازم أو بالعوارض والكل باطل أما الأول فلما ثبت من وحدتها بالنوع ، وكذا الثاني لأن كثرة اللوازم تستلزم كثرة الملزومات وأظن أن قوله أو بطلان ما ثبت إشارة إلى هذا لأن القول بالكثرة الذاتية يستلزم بطلان وحدتها بالنوع وقد أثبتناه.
وأما الثالث فلأن اختلاف العوارض للذوات المتساوية إنما يكون عند تغاير المواد لأن نسبة العارض إلى المثلين واحدة ومادة النفس البدن لاستحالة الانطباع عليها وقبل البدن لا مادة وإلا لزم التناسخ وهو محال.