هو أخص منه وهو القوة الحيوانية أعني الإحساس المشترك بين الإنسان وغيره من الحيوانات وبدأ باللمس لأن باقي الحواس يراد لجلب النفع وهذا لدفع الضرر ولما كان دفع الضرر أولى من جلب النفع لا جرم قدم البحث فيه على غيره من القوى الحساسة. واعلم أن اللمس كيفية قائمة بالبدن منبثة في ظاهره أجمع يدرك بها النافي والملائم.
قال : وفي تعدده نظر.
أقول : اختلف الناس في أن اللمس هل هو قوة واحدة أو قوى كثيرة فالجمهور على أنها قوى أربع : الأولى الحاكمة بين الحار والبارد ، الثانية الحاكمة بين الرطب واليابس الثالثة الحاكمة بين الصلب واللين ، الرابعة الحاكمة بين الخشن والأملس لأن القوة الواحدة لا يصدر عنها أكثر من أمر واحد.
قال : ومنه الذوق ويفتقر إلى توسط الرطوبة اللعابية الخالية عن المثل والضد.
أقول : الذوق قوة قائمة بسطح اللسان لا يكفي فيه الملامسة بل لا بد من متوسط هي الرطوبة اللعابية الخالية عن الطعوم لأنها إن كانت ذات طعم مماثل للمدرك لم يتحقق الإدراك لأن الإدراك إنما يكون بالانفعال والشيء لا ينفعل عن مماثله ، وإن كانت ذات طعم مضاد لم تؤد الكيفية على صرافتها بصحة كما في المرضى.
قال : ومنه الشم ويفتقر إلى وصول الهواء المنفعل ، أو ذي الرائحة إلى الخيشوم.
أقول : الشم قوة في الدماغ تحملها زائدتان شبيهتان بحلمتي الثدي نابتتان من مقدم الدماغ وقد فارقتا لين الدماغ قليلا ولم تلحقهما صلابة العصب. ويفتقر إلى وصول الهواء المنفعل عن ذي الرائحة إلى الخيشوم أو وصول أجزاء من ذي الرائحة إليه لأنه إنما يدرك بالملاقاة.
وقد ذهب قوم إلى أن الشم إنما يكون بأن تتحلل أجزاء الجسم ذي الرائحة وتنتقل مع الهواء المتوسط إلى الحاسة لأن الدلك والتبخير يهيج الرائحة ويذكيها.