قال : قابلان للشدة والضعف ، المتباينان نوعا.
أقول : كل واحد من هذين أعني اللون والضوء قابل للشدة والضعف وهو ظاهر محسوس فإن البياض في الثلج أشد من البياض في العاج ، وضوء الشمس أشد من ضوء القمر ، إذا عرفت هذا فاعلم أن الشديد في كل نوع يخالف الضعيف منه بالنوع ، وذهب قوم إلى أن سبب الشدة والضعف ليس الاختلاف بالحقيقة بل باختلاط بعض أجزاء الشديد بأجزاء الضد فيحصل الضعف وإن لم يختلط حصلت الشدة وقد بينا خطأهم فيما تقدم.
قال : ولو كان الثاني جسما لحصل ضد المحسوس.
أقول : ذهب من لا تحصيل له إلى أن الضوء جسم وسبب غلطه ما يتوهم من كونه متحركا بحركة المضيء وإنما كان ذلك باطلا لأن الحس يحكم بافتقاره إلى موضوع يقوم به ولا يمكنه تجريده عن محل يقومه فلو كان جسما لحصل ضد هذا الحكم المحسوس وهو قيامه بنفسه واستغناؤه عن موضوع يحل فيه.
ويحتمل أن يكون قوله لحصل ضد المحسوس أن الضوء إذا أشرق على الجسم ظهر وكلما ازداد إشراقا ازداد ظهورا في الحس فلو كان جسما لكان ساترا لما يشرق عليه فكان يحصل ضد المحسوس أعني ضد الإشراق ويكون كلما ازداد إشراقه ازداد ستره لكن الحس يشهد بضد ذلك
أو نقول إن الحس يشهد بسرعة ظهور ما يشرق عليه الضوء فإن الشمس إذا طلعت على وجه الأرض أشرقت دفعة واحدة ولو كان الضوء جسما افتقر إلى زمان يقطع فيه هذه المسافة الطويلة فكان يحصل ضد السرعة المحسوسة فهذه الاحتمالات كلها صالحة لتفسير قوله لحصل ضد المحسوس.
وأما سبب وهم أولئك من أنه متحرك فهو خطأ لأن الضوء يحدث عند المقابلة لا أنه يتحرك من الجسم المقابل إلى غيره.