كان في المضاف ماهية أخرى فينبغي أن يجرد ما له من المعنى المقول بالقياس إلى غيره فذلك المعنى هو بالحقيقة المعنى المقول بالقياس إلى غيره ، وغيره إنما هو مقول بالقياس إلى غيره بسبب هذا المعنى ، وهذا المعنى ليس مقولا بالقياس إلى غيره بسبب شيء غير نفسه بل هو مضاف لذاته فليس هناك ذات وشيء هو الإضافة بل هناك مضاف بذاته لا بإضافة أخرى فتنتهي من هذا الطريق الإضافات. وأما كون هذا المعنى المضاف بذاته في هذا الموضع فله وجود آخر ـ مثلا وجود الأبوة في الأب ـ أمر زائد على ذات الأب ، وذلك الموجود أمر مضاف أيضا فليكن هذا عارضا من المضاف لذي المضاف وكل واحد منهما مضاف لذاته إلى ما هو مضاف إليه لا لإضافة أخرى. فالكون محمولا مضاف لذاته ، والكون أبوة مضاف لذاته.
وهذا الكلام على طوله غير مفيد للمطلوب لأن التسلسل الذي ألزمناه ليس من حيث إن المضاف الذي هو المقولة يكون مضافا بإضافة أخرى حتى تقسم الأشياء إلى ما هو مضاف بذاته وإلى ما هو مضاف بغيره بل من حيث إن المضاف الحقيقي كالأبوة تفتقر إلى محل تتقوم به لعرضيتها وحلولها في ذلك المحل إضافة لها إلى ذلك المحل يستدعي محلا وحلولا ويتسلسل وإلى هذا أشار المصنف ـ رحمهالله ـ بقوله ولا ينفع تعلق الإضافة بذاتها أي تعلق الإضافة بالمضاف إليه لذاتها لا لإضافة أخرى.
قال : ولتقدم وجودها عليه.
أقول : هذا وجه ثان دال على أن الإضافة ليست ثابتة في الأعيان وتقريره أنها لو كانت ثبوتية لشاركت الموجودات في الوجود وامتازت عنها بخصوصية ما فاتصاف وجودها بتلك الخصوصية إضافة سابقة على وجود الإضافة فيلزم تقدم وجود الإضافة على وجودها وهو محال فالضمير في عليه يرجع إلى وجودها. ويحتمل عوده إلى المحل ويكون معنى الكلام أن الإضافة لو كانت موجودة لزم تقدمها على محلها لأن وجود محلها حقيقة له فاتصافه به نوع إضافة سابق على وجود الإضافة ، وأعاد الضمير إليه من غير ذكر لفظي لظهوره.