المقصد الثالث في إثبات الصانع تعالى وصفاته وآثاره وفيه فصول :
الأول في وجوده تعالى الموجود إن كان واجبا وإلا استلزمه لاستحالة الدور والتسلسل.
أقول : يريد إثبات واجب الوجود تعالى وبيان صفاته وما يجوز عليه وما لا يجوز وبيان أفعاله وآثاره وابتدأ بإثبات وجوده لأنه الأصل في ذلك كله والدليل على وجوده أن نقول هنا موجود بالضرورة فإن كان واجبا فهو المطلوب ، وإن كان ممكنا افتقر إلى مؤثر موجود بالضرورة فذلك المؤثر إن كان واجبا فالمطلوب ، وإن كان ممكنا افتقر إلى مؤثر موجود فإن كان واجبا فالمطلوب وإن كان ممكنا تسلسل أو دار وقد تقدم بطلانهما وهذا برهان قاطع أشير إليه في الكتاب العزيز بقوله(أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) وهو استدلال لمي.
والمتكلمون سلكوا طريقا آخر فقالوا العالم حادث فلا بد له من محدث فلو كان محدثا تسلسل أو دار وإن كان قديما ثبت المطلوب لأن القدم يستلزم الوجوب وهذه الطريقة إنما تتمشى بالطريقة الأولى فلهذا اختارها المصنف ـ رحمهالله ـ على هذه.