حصل لنا اعتقاد عكس ذلك ولما علم كل عاقل بطلان ذلك جزمنا باستناد هذه الأحكام إلى القضايا العقلية لا الأوامر والنواهي الشرعية ولا العادات.
قال : ويجوز التفاوت في العلوم لتفاوت التصور.
أقول : لما استدل على مذهبه من إثبات الحسن والقبح العقليين شرع في الجواب عن شبهة الأشاعرة وقد احتجوا بوجوه : الأول لو كان العلم بقبح بعض الأشياء وحسنها ضروريا لما وقع التفاوت بينه وبين العلم لزيادة الكل على الجزء والتالي باطل بالوجدان فالمقدم مثله والشرطية ظاهرة لأن العلوم الضرورية لا تتفاوت (والجواب) المنع من الملازمة فإن العلوم الضرورية قد تتفاوت لوقوع التفاوت في التصورات. فقوله : ويجوز التفاوت في العلوم لتفاوت التصور إشارة إلى هذا الجواب.
قال : وارتكاب أقل القبيحين مع إمكان المخلص.
أقول : هذا يصلح أن يكون جوابا عن شبهتين للأشعرية : إحداهما قالوا لو كان الكذب قبيحا لكان الكذب المقتضي لتخليص النبي من يد ظالم قبيحا والتالي باطل لأنه يحسن تخليص النبي فالمقدم مثله. الثانية قالوا لو قال الإنسان لأكذبن غدا فإن حسن منه الصدق بإيفاء الوعد لزم حسن الكذب ، وإن قبح كان الصدق قبيحا فيحسن الكذب (والجواب) فيهما واحد وذلك لأن تخليص النبي راجح من الصدق فيكون تركه أقبح من الكذب فيجب ارتكاب أدنى القبيحين وهو الكذب لاشتماله على المصلحة العظيمة الراجحة على الصدق. وأيضا يجب عليه ترك الكذب في غد لأنه إذا كذب في الغد فعل شيئا فيه جهتا قبح وهو العزم على الكذب وفعله ، ووجها واحدا من وجوه الحسن وهو الصدق وإذا ترك الكذب يكون قد ترك تتمة العزم والكذب وهما وجها حسن ، وفعل وجها واحدا من وجوه القبح وهو الكذب. وأيضا قد يمكن التخلص عن الكذب في الصورة الأولى بأن يفعل التورية أو يأتي بصورة الإخبار الكذب من غير قصد إليه. ولأن جهة الحسن هي التخلص وهي غير منفكة عنه وجهة القبح هي الكذب وهي غير منفكة