المسألة الخامسة
في أنه تعالى يريد الطاعات ويكره المعاصي
قال : وإرادة القبيح قبيحة وكذا ترك إرادة الحسن وللأمر والنهي
أقول : مذهب المعتزلة أن الله تعالى يريد الطاعات من المؤمن والكافر سواء وقعت أو لا ، ويكره المعاصي سواء وقعت أو لا. وقالت الأشاعرة كل ما هو واقع فهو مراد سواء كان طاعة أو معصية. والدليل على ما ذهب إليه المعتزلة وجهان : الأول أنه تعالى حكيم لا يفعل القبيح على ما تقدم فكما أن فعل القبيح قبيح فكذا إرادته قبيحة ، وكما أن ترك الحسن قبيح فكذا إرادة تركه. الثاني أنه تعالى أمر بالطاعات ونهى عن المعاصي والحكيم إنما يأمر بما يريده لا بما يكرهه ، وينهى عما يكرهه لا عما يريده فلو كانت الطاعة من الكافر مكروهة لله تعالى لما أمر بها ، ولو كانت المعصية مرادة لله تعالى لما نهاه عنها وكان الكافر مطيعا بكفره وعدم إيمانه لأنه فعل ما أراده الله تعالى منه وهو المعصية وامتنع عما كرهه وذلك باطل قطعا.
قال : وبعض الأفعال مستندة إلينا والمغلوبية غير لازمة والعلم تابع.
أقول : لما فرغ من الاستدلال شرع في إبطال حجج الخصم وهي ثلاثة :
الأولى قالوا الله تعالى فاعل لكل موجود فتكون القبائح مستندة إليه بإرادته (والجواب) ما يأتي من كون بعض الأفعال مستندة إلينا.
الثانية أن الله تعالى لو أراد من الكافر الطاعة ، والكافر أراد المعصية وكان الواقع مراد الكافر لزم أن يكون الله تعالى مغلوبا إذ من يقع مراده من المريدين هو الغالب (والجواب) أن هذا غير لازم لأن الله تعالى إنما يريد الطاعة من العبد على سبيل الاختيار وهو إنما يتحقق بإرادة المكلف ولو أراد الله تعالى إيقاع الطاعة من الكافر مطلقا سواء كانت عن اختيار أو إجبار لوقعت.