الثالثة قالوا : كل ما علم الله تعالى وقوعه وجب وما علم عدمه امتنع فإذا علم عدم وقوع الطاعة من الكافر استحال إرادتها منه وإلا لكان مريدا لما يمتنع وجوده. والجواب أن العلم تابع لا يؤثر في إمكان الفعل وقد مر تقرير ذلك.
المسألة السادسة
في أنا فاعلون
قال : والضرورة قاضية باستناد أفعالنا إلينا.
أقول : اختلف العقلاء هنا فالذي ذهب إليه المعتزلة أن العبد فاعل لأفعال نفسه واختلفوا فقال أبو الحسين إن العلم بذلك ضروري وهو الحق الذي ذهب إليه المصنف ـ رحمهالله ـ وقال آخرون إنه استدلالي. وأما جهم بن صفوان فإنه قال : إن الله تعالى هو الموجد لأفعال العباد وإضافتها إليهم على سبيل المجاز فإذا قيل فلان صلى وصام كان بمنزلة قولنا طال وسمن (وقال) ضرار بن عمرو والنجار وحفص الفرد وأبو الحسن الأشعري إن الله تعالى هو المحدث لها والعبد مكتسب ولم يجعل لقدرة العبد أثرا في الفعل بل القدرة والمقدور واقعان بقدرة الله تعالى وهذا الاقتران هو الكسب وفسر القاضي الكسب بأن ذات الفعل واقعة بقدرة الله تعالى وكونه طاعة ومعصية صفتان واقعتان بقدرة العبد (وقال) أبو إسحاق الأسفراييني من الأشاعرة إن الفعل واقع بمجموع القدرتين. والمصنف التجأ إلى الضرورة هاهنا فإنا نعلم بالضرورة الفرق بين حركة الحيوان اختيارا وبين حركة الحجر الهابط ومنشأ الفرق هو اقتران القدرة في أحد الفعلين به وعدمه في الآخر.
قال : والوجوب للداعي لا ينافي القدرة كالواجب.
أقول : لما فرغ من تقرير المذهب شرع في الجواب عن شبه الخصم وتقرير الشبهة الأولى أن صدور الفعل من المكلف إما أن يقارن تجويز لا صدوره أو امتناع لا صدوره والثاني يستلزم الجبر والأول إما أن يترجح منه الصدور على لا صدوره لمرجح أو لا لمرجح والثاني