إذا ثبت هذا فاعلم أن المصنف ـ رحمهالله ـ تسلم مذهبهم وما ثبت في نفس الأمر وألزمهم المحال ، وتقريره أن الماهيات لو كانت ثابتة في العدم لاستغنت الممكنات في وجودها عن المؤثر فانتفت القدرة أصلا ورأسا والتالي باطل فالمقدم مثله بيان الشرطية أن القدرة حينئذ لا تأثير لها في الذوات ولا في الوجود على مذهبهم ولا في اتصاف الماهية بالوجود على ما ثبت في نفس الأمر وذلك يستلزم نفي التأثير أصلا وأما بطلان التالي فبالاتفاق والبرهان دل عليه على ما يأتي فلهذا استبعد المصنف ـ رحمهالله ـ هذه المقالة مع إثبات القدرة المؤثرة والقول بكون الاتصاف أمرا ذهنيا وأنه منتف في الخارج.
قال : وانحصار الموجود مع عدم تعقل الزائد.
أقول : هذا برهان آخر دال على انتفاء الماهيات في العدم وتقريره أن مذهبهم أن كل ماهية نوعية فإنه يثبت من أشخاصها في العدم ما لا يتناهى كالسواد والبياض والجواهر وغيرها من الحقائق فألزمهم المصنف المحال وهو القول بعدم انحصار الموجودات لأن تلك الماهيات ثابتة وهي غير محصورة في عدد متناه والثبوت هو الوجود لانتفاء تعقل أمر زائد على الكون في الأعيان فلزمهم القول بوجود ما لا يتناهى من الماهيات وهو عندهم باطل فإن جعلوا الوجود أمرا مغايرا للكون في الأعيان كان نزاعا في عبارة وقولا بإثبات ما لا يعقل مع أنا نكتفي في إبانة محالية قولهم بالثبوت الذي هو الكون في الأعيان وهم يسلمونه لنا والبراهين الدالة على استحالة ما لا يتناهى كما تدل على استحالته في الوجود تدل على استحالته في الثبوت إذ دلالتها إنما هي على انحصار الكائن في الأعيان وقول المصنف ـ رحمهالله ـ «وانحصار الموجود» عطف على الانتفاء أي وكيف تتحقق الشيئية بدون الوجود مع إثبات القدرة وانتفاء الاتصاف ومع انحصار الموجود مع عدم تعقل الزائد هكذا ينبغي أن يفهم كلامه هاهنا.
قال : ولو اقتضى التمييز الثبوت عينا لزم منه محالات.
أقول : لما أبطل مذهب المثبتين شرع في إبطال حججهم ولهم حجتان رديتان ذكرهما