المعقولات منقسمة إليها قسمة حقيقية أي تمنع الجمع والخلو وذلك لأن كل معقول على الإطلاق إما أن يكون واجب الوجود لذاته أو ممتنع الوجود لذاته أو ممكن الوجود لذاته لا يخلو عنها ولا يجتمع اثنان منها في واحد لاستحالة أن يكون شيء واحد واجبا لذاته ممتنعا لذاته أو ممكنا لذاته ، أو يكون ممتنعا لذاته ممكنا لذاته فالقسمة حينئذ حقيقية.
واعلم أن القسمة الحقيقية قد تكون لكلي بفصول أو لوازم تميزه وتفصله إلى الأقسام المندرجة تحته وقد تكون بعوارض مفارقة والقسمة الأولى لا يمكن انقلابها ولا يصير أحد القسمين معروضا لمميز الآخر الذي به وقعت القسمة كقولنا الحيوان إما ناطق أو صامت فإن الحيوان بالناطق والصامت قد انقسم إلى طبيعتين ويستحيل انقلاب هذه القسمة بمعنى أن الحيوان الذي هو ناطق يستحيل زوال النطق عنه وعروض الصمت له وكذا الحيوان الذي هو صامت. وأما القسمة الثانية فإنه يمكن انقلابها ويصير أحد القسمين معروضا لمميز الآخر الذي به وقعت القسمة كقولنا الحيوان إما متحرك أو ساكن فإن كل واحد من قسمي المتحرك والساكن قد يتصف بعارض الآخر فينقلب المتحرك ساكنا وبالعكس وقسمة المعقول بالوجوب الذاتي والامتناع الذاتي والإمكان الذاتي من قبيل القسم الأول لاستحالة انقلاب الواجب لذاته ممتنعا لذاته أو ممكنا لذاته وكذا الباقيان.
قال : وقد يؤخذ الأولان باعتبار الغير فالقسمة مانعة الجمع بينهما يمكن انقلابها ، ومانعة الخلو بين الثلاثة في الممكنات.
أقول : إذا أخذنا الواجب والممتنع باعتبار الغير لا بالنظر إلى الذات انقسم المعقول إليهما على سبيل منع الجمع لا الخلو وذلك لأن المعقول حينئذ إما أن يكون واجبا لغيره أو ممتنعا لغيره على سبيل منع الجمع لا الخلو لامتناع الجمع بين الوجوب بالغير والامتناع بالغير ، وإمكان الخلو عنهما لا بالنظر إلى وجود العلة ولا عدمها. وهذه القسمة يمكن انقلابها لأن واجب الوجود بالغير قد يعرضه عدم علته فيكون ممتنع الوجود بالغير فينقلب أحدهما إلى الآخر وإذا لحظنا الإمكان الذاتي في هذه القسمة في الممكنات انقلبت مانعة