شرع في تحقيق معنى الحمل وتقريره أنا إذا حملنا وصفا على موصوف فلسنا نعني به أن ذات الموضوع هي ذات المحمول بعينها فإنه لا يبقى حمل ولا وضع إلا في الألفاظ المترادفة وهو باطل ، ولأن قولنا الإنسان حيوان حمل صادق وليس الإنسان والحيوان مترادفين ، ولا نعني به أن ذات الموضوع مباينة لذات المحمول فإن الشيئين المتباينين كالإنسان والفرس يمتنع حمل أحدهما على الآخر ، بل نعني به أن الموضوع والمحمول بينهما اتحاد من وجه وتغاير من وجه فإذا قلنا الضاحك كاتب عنينا به أن الشيء الذي يقال له الضاحك هو الشيء الذي يقال له الكاتب فجهة الاتحاد هي الشيء وجهة التغاير هي الضحك والكتابة.
إذا عرفت هذا فاعلم أن جهة الاتحاد قد تكون أمرا مغايرا للموضوع والمحمول كما في هذا المثال فإن الشيء الذي يقال له ضاحك وكاتب هو الإنسان وهو غير الموضوع والمحمول ، وقد تكون أحدهما كقولنا الإنسان ضاحك والضاحك إنسان.
قال : والتغاير لا يستدعي قيام أحدهما بالآخر ولا اعتبار عدم القائم في القيام لو استدعاه.
أقول : لما ذكر أن المحمول مغاير للموضوع من وجه صدق عليه مطلق التغاير وصدق التغاير لا يستدعي قيام أحدهما بالآخر قيام العرض بمحله فإنا نقول الإنسان حيوان وليست الحيوانية قائمة بالإنسانية ، ثم لو فرضنا أن التغاير مع الحمل يقتضي قيام أحدهما بالآخر لكن لا يلزم من كون المحمول قائما بالموضوع كون الموضوع في نفسه مأخوذا باعتبار عدم القائم فإنه حينئذ اعتبار زائد على نفس المحمول والموضوع لا يستدعي مجرد القيام.
قال : وإثبات الوجود للماهية لا يستدعي وجودها أولا.
أقول : إن الحكماء اتفقوا على أن الموصوف بالصفة الثبوتية يجب أن يكون ثابتا وقد أورد على هذا أن الوجود ثابت للماهية فيجب أن تكون الماهية ثابتة أولا حتى يتحقق لها ثبوت آخر ويتسلسل.