وقد كان في بعض أوقات استفادتي منه ـ رحمهالله ـ جرت هذه النكتة وسألته عن معنى قولهم إن الصادق في الأحكام الذهنية هو باعتبار مطابقته لما في نفس الأمر والمعقول من نفس الأمر إما الثبوت الذهني أو الخارجي وقد منع كل منهما هاهنا.
فقال ـ رحمهالله ـ المراد بنفس الأمر هو العقل الفعال فكل صورة أو حكم ثابت في الذهن مطابق للصور المنتقشة في العقل الفعال فهو صادق وإلا فهو كاذب. فأوردت عليه أن الحكماء يلزمهم القول بانتقاش الصور الكاذبة في العقل الفعال لأنهم استدلوا على ثبوته بالفرق بين النسيان والسهو فإن السهو هو زوال الصورة المعقولة عن الجوهر العاقل وارتسامها في الحافظ لها والنسيان هو زوالها عنهما معا وهذا يتأتى في الصور المحسوسة أما المعقولة فإن سبب النسيان هو زوال الاستعداد بزوال المفيد للعلم في باب التصورات والتصديقات وهاتان الحالتان قد تعرضان في الأحكام الكاذبة فلم يأت فيه بمقنع وهذا البحث ليس من هذا المقام وإنما انجر الكلام إليه وهو بحث شريف لا يوجد في الكتب.
المسألة الثامنة والثلاثون
في كيفية حمل الوجود والعدم على الماهيات
قال : ثم الوجود والعدم قد يحملان وقد يربط بهما المحمولات.
أقول : اعلم أن الوجود والعدم قد يحملان على الماهية كما يقال الإنسان معدوم ، الإنسان موجود وقد يجعلان رابطة كقولنا الإنسان يوجد كاتبا ، الإنسان تعدم عنه الكتابة فهاهنا المحمول هو الكتابة والوجود والعدم رابطتان إحداهما رابطة الثبوت والوصل والأخرى رابطة السلب والفصل.
قال : والحمل يستدعي اتحاد الطرفين من وجه وتغايرهما من آخر وجهة الاتحاد قد تكون أحدهما وقد تكون ثالثا.
أقول : لما ذكر أن الوجود والعدم قد يحملان وقد يكونان رابطة بين الموضوع والمحمول