لا يقال : امتياز أحد الشيئين عن الآخر يستدعي أن يكون لكل من الممتازين هوية مغايرة لهوية الآخر حتى يحكم بينهما بالامتياز فلو كان العدم ممتازا عن الوجود لكان له هوية متميزة عنه لكن ذلك محال لأن العقل يمكنه رفع كل هوية فيكون رفع هوية العدم قسيما للعدم وقسما منه وهذا محال.
لأنا نقول : لا نسلم وجوب الهوية لكل من الممتازين فإنا نحكم بامتياز الهوية عن اللاهوية وليس اللاهوية هوية سلمنا ثبوت الهوية لكل ممتازين لكن هوية العدم داخلة باعتبار الهوية في قسم الهوية وباعتبار ما فرض أنها لا هوية يكون مقابلة للهوية وقسيما لها ولا امتناع في كون الشيء قسما من الشيء وقسيما له باعتبارين على ما تقدم تحقيقه في باب الثبوت.
قال : وإذا حكم الذهن على الأمور الخارجية بمثلها وجب التطابق في صحيحه وإلا فلا ويكون صحيحه باعتبار مطابقته لما في نفس الأمر لإمكان تصور الكواذب.
أقول : الأحكام الذهنية قد تؤخذ بالقياس إلى ما في الخارج ، وقد تؤخذ لا بهذا الاعتبار فإذا حكم الذهن على الأشياء الخارجية بأشياء خارجية مثلها كقولنا الإنسان حيوان في الخارج وجب أن يكون مطابقا لما في الخارج حتى يكون حكم الذهن حقا وإلا لكان باطلا وإن حكم على أشياء خارجية بأمور معقولة كقولنا الإنسان ممكن أو حكم على الأمور الذهنية بأحكام ذهنية كقولنا الإمكان مقابل للامتناع لم تجب مطابقته لما في الخارج إذ ليس في الخارج إمكان وامتناع متقابلان ولا في الخارج إنسان ممكن.
إذا تقرر هذا (فنقول) الحكم الصحيح في هذين القسمين لا يمكن أن يكون باعتبار مطابقته لما في الخارج لما تقدم من أن الحكم ليس مأخوذا بالقياس إلى الخارج ولا باعتبار مطابقته لما في الذهن لأن الذهن قد يتصور الكواذب فإنا قد نتصور كون الإنسان واجبا مع أنه ممكن فلو كان صدق الحكم باعتبار مطابقته لما في الذهن لكان الحكم بوجوب الإنسان صادقا لأن له صورة ذهنية مطابقة لهذا الحكم بل يكون باعتبار مطابقته لما في نفس الأمر.