المسألة السادسة والأربعون
في عدم وجوب المادة والمدة للحادث
قال : ولا يفتقر الحادث إلى المدة والمادة وإلا لزم التسلسل.
أقول : ذهبت الفلاسفة إلى أن كل حادث مسبوق بمادة ومدة لأن كل حادث ممكن وإمكانه سابق عليه وهو عرض لا بد له من محل وليس المعدوم لانتفائه فهو ثبوتي هو المادة ، ولأن كل حادث يسبقه عدمه سبقا لا يجامعه المتأخر فالسبق بالزمان يستدعي ثبوته وهذان الدليلان باطلان لأنه يلزم منهما التسلسل لأن المادة ممكنة فمحل إمكانها مغاير لها فيكون لها مادة أخرى على أنا قد بينا أن الإمكان عدمي لأنه لو كان ثبوتيا لكان ممكنا فيكون له إمكان ويلزم التسلسل والزمان يتقدم أجزاؤه بعضها على بعض هذا النوع من التقدم فيكون للزمان زمان هذا خلف.
أجابوا عن الأول : بأن الإمكان لفظ مشترك بين معنيين الأول ما يقابل الامتناع وهو صفة عقلية يوصف بها كل ما عدا الواجب والممتنع من المتصورات ولا يلزم من اتصاف الماهية بها كونها مادية ، والثاني الاستعداد وهو موجود معدود في نوع من أنواع جنس الكيف وإذا كان موجودا وعرضا وغير باق بعد الخروج إلى الفعل فيحتاج لا محالة قبل الخروج إلى محل وهو المادة.
وعن الثاني : أن القبلية والبعدية تلحقان الزمان لذاته فلا يفتقر إلى زمان آخر.
قلنا أما الأول فباطل لأن ذلك العرض حادث فيتوقف على استعداد له ويعود البحث في التسلسل ، وأما الثاني فكذلك لأن أجزاء الزمان لو كانت تتقدم بعضها على البعض لذاتها وتتأخر كذلك كانت أجزاء الزمان مختلفة بالحقيقة فكان الزمان مركبا من الآنات وهو عندكم باطل.