لما كان جائزا احتاج إلى اختيار مختار يوجده وثبوت حكم العلة في الشاهد لما كان جائزا احتاج إلى علة توجبه وهي العلم أليس وجود القديم لما كان واجبا لم يعلل وجود الحادث لما كان جائزا علل.
قال الصفاتية بم تنكرون على من يعلل الأحكام الجائزة بالعلل الجائزة والأحكام الواجبة بالعلل الواجبة فلا الاحتياج والافتقار غير موجب للتعليل ولا الاستقلال ولا الاستغناء مانع من التعليل لأنا لسنا نعني بالتعليل الإيجاد والإبداع حتى يستدعيه الجواز والاحتياج ويمنعه الوجوب والاستغناء لكنا نعني بالتعليل الاقتضاء العقلي والتلازم الحقيقي بشرط أن يكون أحدهما ملتزما والآخر ملتزما والوجوب والجواز لا أثر لهما في منع الاقتضاء والتلازم فلا يمتنع عقلا تعليل الواجب بالواجب وتعليل الجائز بالجائز وزادوا على ذلك تحقيقا.
فقالوا نحن لا نحكم على الأحكام من حيث إنها أحكام بأنها جائزة فإنها على مذهب مثبتي الأحوال صفات لا توصف بالوجود والعدم ولا ذات لها على الانفراد حتى يقال هي جائزة أو واجبة وعلى مذهب النفاة عبارات عن اختصاصات المعاني بالمحال بحيث يعبر عنها بالأسامي وهي على المذهبين لا يطلق عليها الجواز والوجوب من حيث هي أحكام بل الوجوب إليها أقرب فإنها بالنسبة إلى عللها واجبة سواء قدرت قديمة أو حادثة فكون العالم عالما بعد قيام العلم بالمحل ليس بجائز بل واجب لأنه من حيث هو حكم العلم لا ذات له فلا يتطرق إليه الجواز والإمكان ومن حيث هو حكم العلم يتطرق إلى ذي العلم الجواز إذ يجوز أن يكون ذا علم ويجوز أن لا يكون والجواز من هذا الوجه لا يعلل البتة بل ينسب إلى الفاعل حتى يخصص بأحد طرفي الجواز فهو إذا من حيث إنه جائز لا يعلل بعلة ولو وجب تعليل كل جائز بعلة وتلك العلة أيضا تعلل بعلة فيؤدي إلى ما لا نهاية له ولست أقول لا ينسب إلى فاعل وأن نسبة الجائز في أن يوجد إلى فاعل ليس كنسبة العالمية في أن توجب إلى علم فليفرق الفارق بين تعليل الأحكام بالعلل وبين تعلق المقدور بالقدرة فإن بينهما بونا عظيما وأمدا بعيدا فلا يجوز أن يقتبس حكم أحدهما من الآخر ولا أن يطرد حكم أحدهما في الثاني إلا أن يمنع مانع أصل التعليل ، ويرفع العلة والمعلول ولا نقول بهما في الشاهد والغائب وذلك كلام آخر ومن نفى الحال وكونها صفة ثابتة في الأعيان لم يصح إثبات العلة والمعلول على أصله تحقيقا فإنه لم يبق إلا عبارة أعيانا محضة أو وجه اعتبار عقلي فلا معنى لكون العالم عالما على أصله إلا أنه شيء ما له علم وليس العلم يوجب حكما زائدا على نفسه فيقال أي شيء يعني بكونه فاعله أهي مقتضية شيئا أم