وقال مثبتو الأحوال : إن الحد قول الحاد المبين عن الصفة التي تشترك فيها آحاد المحدود ، فإن المحدود عندهم يتميز عن غيره بخاصية شاملة لجميع آحاد المحدود ، وتلك الخاصية حال ويعبر عن تلك الحال بلفظ شامل دال عليه جامع مانع يجمع ما له من الخاصية ويمنع ما ليس له من خواص غيره ، ثم من الأشياء ما يحد ومنها ما لا يحد على أصلهم وأكثر حدود المتكلمين راجع إلى تبديل لفظ بلفظ أعرف منه وربما يكون مثله في الخفاء والجلاء وإنما أهل المنطق يبالغون في ذكر شروط الحد ويحققون في استيفاء جوانبه لفظا ومعنى غير أنهم إذا شرعوا في تحديد الأشياء وتحقيق ماهيتها يأتون بأبعد ما يأتي به المتكلمون كمن يتقن علم العروض ولا طبع له في الشعر أو كمن يكون له طبع ولا مادة له من النحو والأدب فيعود حسيرا ويصبح أسيرا ولعلهم معذورون لأن الظفر بالذاتيات المشتركة والذاتيات الخاصة عسير جدا.
فنقول في تحديد الحد وشرائطه : إن الحد ينقسم إلى ثلاثة معان : حد لفظي هو شرح الاسم المحض كمن يقول : حد الشيء هو الموجود والحركة هي النقلة والعلم هو المعرفة وليس يفيد ذلك إلا تبديل لفظ بما هو أوضح منه عند السائل على شرط أن يكون مطابقا له طردا وعكسا.
وحد رسمي : وهو تعريف الشيء بعوارضه ولوازمه كمن يقول حد الجوهر القائل للعرض وحد الجسم هو المتناهي في الجهات القابل للحركات ، وقد يفيد هذا القول نوع وقوف على الحقيقة من جهة اللوازم وقد لا يفيد.
وحد حقيقي : هو تعريف لحقيقة الشيء وخاصيته التي بها هو ما هو وإنما هو ما هو بذاتيات تعمه وغيره وبذاتيات تخصه والجمع والمنع إن أريد بهما هذان المعنيان فهو صحيح فيما يجمعه من الذاتيات العامة والخاصة وهو الجنس والفصل ، وما يمنع غيره فيقع من لوازم الجمع والطرد والعكس يقع أيضا من اللوازم.
ومن شرائطه : أنه يجب أن يكون أعرف من المحدود ولا يكون مثله ولا دونه في الخفاء والجلاء وأن لا يعرف الشيء بما لا يعرف إلا به إلى غير ذلك فيما ذكر فإذا ثبت ما ذكرناه من تحديد الحد بعد التفصيل.
قال : من حاول الجمع بين الغائب والشاهد بالحد والحقيقة حد العالم في الشاهد أنه ذو العلم والقادر ذو القدرة والمريد ذو الإرادة فيجب طرد ذلك في الغائب والحقيقة لا تختلف شاهدا أو غائبا قيل له هذا تعريف الشيء بما هو دونه في الخفاء والجلاء فإن الإنسان ربما يعرف كون زيد متحركا ويشك في الحركة حتى يبرهن على ذلك وكذلك في جميع الأوصاف فكيف اقتبست معرفة الإجلاء من الإخفاء ، وأيضا