فإن ذا الشيء قد يكون على سبيل الوصف والصفة وقد يكون على سبيل الفعل والمفعول وقد يكون على سبيل الملك والمملوك أليس روي في التنزيل (رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ) [غافر : ١٥] ثم العرش خلقه وملكه ، وليس صفة قائمة بذاته فما أنكرتم أن يكون معنى كونه ذا العلم والقدرة.
قال : قد يقتبس إثبات العلم والقدرة من كونه عالما وقادرا وقد يقتبس من كون الشيء معلوما ومقدورا.
فنقول : المتعلق بالمعلوم علم والمتعلق بالمقدور قدرة فإذا قام الدليل على كونه عالما بالمعلوم فيجب أن يكون عالما بالعلم.
ويحققه أن العلم إحاطة بالمعلوم ويستحيل أن تكون الذات محيطا أو متعلقا فيجب أن يكون للذات صفة إحاطة هي المحيطة المتعلقة بالمعلومات.
قالت المعتزلة : معلوم الله بكونه عالما لا بالعلم ولا بالذات ولا معنى لكون المعلوم معلوما إلا أنه غير مخفي على العالم كما هو عليه فليس ثم تعلق حسي أو وهمي حتى يحال به على العلم أو على الذات وقولكم العلم إحاطة بالمعلوم تغيير عبارة وتبديل لفظ بلفظ وإلا فالعلم والإحاطة والتيقن عبارات عن معبر واحد ومعنى كون الذات عالما أنه محيط ، وكذلك معنى كونه محيطا أنه عالم وإنما وقعتم في إلزام لفظ الإحاطة لظنكم أن الإحاطة لو تحققت للذات كانت تلك الإحاطة كإحاطة جسم بجسم وذلك الاشتراك في اللفظ وإلا فمعنى الإحاطة هو العلم وهو بكل شيء عليم محيط ، وبكل شيء عليم ، وعلى كل شيء قدير.
قالت الصفاتية : العقل الصريح يفرق بين كون الشيء معلوما وبين كونه مقدورا وكيف لا وكونه معلوما أعم من كونه مقدورا فإن المعلوم قد يكون قديما وقد يكون حادثا وواجبا وجائزا ومستحيلا ، وكونه مقدورا ينحصر في كونه ممكنا جائزا ثم نسبة المعلوم إلى الذات من حيث هي ذات واحدة كنسبة المقدور من حيث هي ذات.
فنقول نسبة الذات إليهما على قضية واحدة عندكم أم تختلف النسبة فإن كان نسبة الذات إليهما على قضية واحدة فيلزم أن لا يكون أحدهما أعم ، والثاني أخص ، ويجب أن يكون كل معلوم مقدورا كما كان كل مقدور معلوما وإن اختلف وجه النسبة بالأعم والأخص علم أنه ما كان مضافا إلى الذات بل إلى صفة وراء الذات