وذلك مما يخبر عنه التنزيل بالعلم والقدرة (١).
قالت المعتزلة : تختلف وجوه الاعتبارات في شيء واحد ولا يوجب ذلك تعدد الصفة كما يقال : الجوهر متحيز وقائم بالنفس وقابل للعرض ويقال للعرض لون وسواد وقائم بالمحل فيوصف الجوهر والعرض بصفات هي صفات الأنفس التي لا يعقل الجوهر والعرض دونهما ثم هذه الأوصاف لا تشعر بتعدد في الذات ولا بتعدد صفات هي ذوات قائمة بالذات ولا بتعدد أحوال ثابتة في الذات كذلك نقول في كون الباري تعالى عالما قادرا.
قالت الصفاتية : ليس في وصف الجوهر والعرض بهذه الأوصاف أكثر من إثبات حقيقة واحدة لها خاصية تتميز بها عن غيرها وهذه العبارات دالة على تلك الخاصية ، وهي الحجمية في الجوهر والسوادية في العرض مثلا ، فأما تحيزه وقبوله للعرض فذلك تعرض لنسبة الجوهر إلى الحيز ونسبته إلى العرض إما تقديرا أو تحقيقا ، وبمثل ذلك نقول في حق الباري سبحانه إنه موجود قديم قائم بنفسه غني أحد صمد غير متناهي الوجود والذات ، وكل هذه الأوصاف ترجع إلى حقيقة واحدة ، وأما وصفه بكونه حيا عالما قادرا ، إنما هو راجع إلى حقائق مختلفة وخواص متباينة تختص كل صفة بخاصية وحقيقة لا تتعداها ولكل واحدة فائدة خاصة تخصها ودليل خاص يدل عليها ومتعلق خاص يختص بها والحقائق إذا اختلفت من هذه الوجوه ، فقد اختلفت في ذواتها ولا يسد أحدهما مسد الآخر ، والعقل إنما يميز هذه المعاني بهذه الوجوه وإلا فأعراض متعددة إذا قامت بمحل واحد لم يحكم العقل باختلافها وتعددها إلا باختلاف خواصها وآثارها وفوائدها ودلائلها ومتعلقاتها ، ومن المستحيل في العقل اجتماع خواص مختلفة في حقيقة واحدة فلو جاز إثبات ذات لها حكم العلم والقدرة والإرادة والحياة لجاز إثبات حقيقة واحدة لها حكم العرض والجوهر ولجاز إثبات علم له حكم القدرة ولجاز إثبات لون له حكم الكون ويلزم على ذلك اجتماع المتضادات وذلك من أمحل ما يتصور.
ومما يوضح ذلك وهو أقوى ما يتمسك به في إثبات الصفات قولنا الله عالم قادر وقول المعطل مثلا ليس بعالم ولا قادر إثبات ونفي لا محالة فلا يخلو الأمر فيه إما أن يرجع الإثبات والنفي إلى الذات وإما أن يرجع إلى الصفات وإما أن يرجع إلى الأحوال ومستحيل رجوعهما إلى الذات فإنها معقولة دون الاتصاف بالعالمية إذ ليس
__________________
(١) انظر : المواقف للإيجي (٣ / ٨٨ ، ٨٩) ، وبيان تلبيس الجهمية لابن تيمية (١ / ٣٨).