من ضرورة العلم كونه ذاتا قائما بالنفس مستغنيا من كل وجه أن يعلم كونه عالما ولذلك كان الدليل على كونه قائما بالنفس غير الدليل على كونه عالما قادرا ولا من ضرورة نفي العالمية نفي الذات فإن جماعة من المعطلة نفوا كونه عالما وقادرا مع إقرارهم وعلمهم بثبوت الذات ويستحيل رجوعهما إلى الحال فإنها لا تنفي على حيالها ولا تثبت وقد أبطلنا القول بالحال فلم يبق إلا القسم الأخير وهو الرجوع إلى الصفات.
قالت المعتزلة : أنتم أول من أثبت حقائق مختلفة وخواص متباينة لذات واحدة حيث قلتم الرب تعالى عالم بعلم واحد يتعلق بجميع المعلومات ومن المعلوم أن العلم بالسواد مثلا ليس يماثل العلم بالبياض بل يخالفه لأن المثلين عندكم لا يجتمعان وقد يجتمع العلمان المختلفان فعلمه سبحانه في حكم علوم مختلفة وكذلك القدرة الأزلية تتعلق بمقدورات لا تتعلق القدرة الحادثة بها فهي في حكم قدر مختلفة وكذلك الإرادة والسمع والبصر وأظهر من ذلك كله الكلام فإنه صفة واحدة أزلية وهي في ذاتها أمر ونهي وخبر واستخبار ووعد ووعيد ومعلوم أن هذه حقائق مختلفة قد ثبتت لكلام واحد فإن قلتم هذه الحقائق ترجع إلى الوجوه والاعتبارات فنحن نقول كذلك في ذات الباري سبحانه وإن رددتم ذلك إلى الأحوال فمن مذهب أبي هاشم أنها أحوال وعلى كل وجه قدرتموه يلزمكم مثله في الذات والصفات وقولكم إن المعاني إنما تتعرف بعددها من خواصها ومتعلقها وآثارها وأدلتها صحيح في الشاهد غير مسلم في الغائب بل بإجماع منا في مسائل وانفراد منكم في مسائل خالفنا هذه القاعدة فإن القدم والوجوب بالذات والوحدة والقيام بالذات والبقاء والديمومية وأنه أول وآخر وظاهر وباطن منزه عن المكان مقدس عن الزمان حقائق مختلفة لو اعتبرناها شاهدا لكان لكل واحدة منها دليل خاص يدل عليه ومع ذلك لا يوجب تعددا في الصفات بالاتفاق وعندكم الأمر والنهي في الشاهد يتباينان ويتضادان وما يدل على الأمر غير ما يدل على النهي وكذلك الخبر والاستخبار يتمايزان من حيث الحقيقة والدليل والمتعلق فإن متعلق الأمر غير متعلق الخبر والخبر يتعلق بالقديم والأمر لا يتعلق به واختلافهما من حيث التعلق أوجب اختلافهما في الشاهد ثم لم نستدل باختلافهما في الشاهد على اختلافهما في الغائب بل كلامه أمر ونهي مع أن الأمر يتعلق بالمأمورات دون المنهيات والنهي يتعلق بالمنهيات دون المأمورات والخبر يتعلق بكل ما يتعلق به العلم معدوما وموجودا وواجبا وجائزا ومستحيلا.
وأما استدلالكم بطريق النفي والإثبات على أصل نفاة الأحوال غير مستقيم فإن عندهم النفي والإثبات في كل شيء يرجعان إلى أمر مخصوص معين فلا يتصور إثبات ذات