متناقض للصفات إذ الحال لا يوصف بالوجود ولا بالعدم والصفات موجودة ثابتة قائمة بالذات ويلزمهم مذهب النصارى في قولهم واحد بالجوهرية ثلاثة بالأقنومية ولا يلزم ذلك التناقض مذهب الصفاتية (١).
وأما الاستدلال بالنفي والإثبات فصحيح ، واعتراضكم فاسد فنقول قد قام الدليل على كون الصانع عالما قادرا فلا يخلو الحال إما أن يكون الاسمان عبارتين عن معبر واحد من غير تفاوت أصلا فيلزمكم أن تفهم العالمية بفهم القادرية ويلزمكم أن تنفي العالمية من نفي القادرية ويلزمكم أن يوجد العالم من حيث كونه عالما فحسب ، ولا يحتاج إلى إثبات كونه قادرا فيلزم أن يدل على العالمية كما يدل على القادرية ومن المعلوم الذي لا مرية فيه أنه ليس إطلاق لفظ العالم القادر كإطلاق لفظ الموجد الخالق ، فإنا ندرك ببداية عقولنا فروقا ضرورية بين كونه عالما قادرا وبين كونه موجدا خالقا فلو كان الاسمان مترادفين ترادف هذين الاسمين لكنا لا ندرك بعقولنا هذه التفرقة ، ثم ليس يجوز أن يقال أحد الوصفين وصف إثبات والثاني وصف نفي فإنهما في محل تصور الفهم متساويان وليس يجوز أن يقال أحدهما وصف إضافة والثاني وصف حال وصفة إذ الإضافة من لوازمها لذاتها بل هما حقيقتان تعرض لهما الإضافة إلى المتعلقات والإضافة معنى لا تعرض له الإضافة وإذا بطلت هذه الوجوه تعين أنهما صفتان قائمتان بالذات عبر الشرع عن إحداهما بالعلم وعن الثانية بالقدرة.
قالت المعتزلة : نحن لا ننكر الوجوه والاعتبارات العقلية لذات واحدة ولا نثبت الصفات إلا من حيث تلك الوجوه أما إثبات صفات هي ذوات موجودات أزلية قديمة قائمة بذاته هو المنكر عندنا فإنها إذا كانت موجودات وذوات وراء الذات ، فإما أن تكون عين الذات وإما أن تكون غير الذات ، فإن كانت عين الذات فهو مذهبنا وبطل قولكم هي وراء الذات وإن كانت غير الذات فهي حادثة أو قديمة وليس من مذهبكم أنها حادثة وإن كانت قديمة فقد شاركت الذات في القدم والوجوب بالذات ونفي الأولية فهي آلهة أخرى ، فإن القدم أخص وصف القديم والاشتراك في الأخص يوجب الاشتراك في الأعم.
ومن الإلزامات على قولكم إنها قائمة بذاته أن القائم بالشيء محتاج إلى ذلك الشيء حتى لولاه لما تحقق له وجود به فيلزمكم إثبات خصائص الأعراض في الصفات فإن العرض هو المحتاج إلى محل يقوم به ويلزمكم إثبات التقدم والتأخر الذاتي
__________________
(١) انظر : منهاج السنة النبوية لابن تيمية (٢ / ٢٨٣ ، ٤٨٦).