لمعنى الواجب أي هو ما يكون الوجود له أولى وأول حتى لو تركنا لفظ الواجب جانبا وقلنا الوجود ينقسم إلى ما يكون الوجود له أولى وأول وإلى ما يكون الوجود له لا أولى ولا أول كان التقسيم صحيحا مفيدا لفائدة الأولى ، ثم الوجوب لا يفهم إلا وأن يفهم الوجود أولا حتى لو رفع الوجود في الوهم ارتفع الوجوب بارتفاعه ، وهو معنى ذاتي فالوجود ذاتي للواجب بهذا المعنى وبمعنى أنه أولى به وأنه لذاته وبذاته وأنه لغيره على خلاف ذلك.
ومن العجب أنهم قالوا : الوجوب معنى سلبي حتى لزمهم أن يقولوا الجواز الذي في مقابلته معنى إيجابي ، وليت شعري كيف يستجيز العاقل من عقله أن يرد معنى الوجوب إلى السلب والجواز إلى الإيجاب أليس الوجود أولى بالواجب فكيف صار أولى بالجائز أليس الوجوب تأكيدا للوجود فكيف تأكد الوجوب بالسلب وهل هذا كله إلا تحير العقل ودوار في الرأس وتطرق الوسواس إلى صدور الناس.
ثم نقول : إن سلم لكم أن الوجود ليس بجنس فلم يخرج عن كونه عاما شاملا للقسمين إذ لو لا شموله وإلا لما صح التقسيم فإن التقسيم إنما يرد على المعنى لا على مجرد اللفظة ، فالمعنى العام للواجب والجائز غير المعنى الخاص بأحد القسمين فإذا لم يكن التركيب تركبا من جنس وفصل كان تركبا من عام وخاص فيفيد أحدهما من التصور ما لا يفيده الآخر ، فيلزم منه عين ما يلزم من الفصل والجنس.
قالت الفلاسفة التميز بينهما تميز في الذهن بالاعتبار العقلي لا في الوجود.
قيل لهم التميز بين العرضية واللونية تميز في الذهن بالاعتبار العقلي لا في الوجود ، وكذلك الإنسانية في كونها مركبة من حياة ونطق فما الفرق بين وجود عام ، ووجوب خاص وبين عرض عام ولون خاص ، والتركيب كالتركيب إلا أن أحد العامين والخاصين من جنس وفصل على اصطلاح المنطق فيصلح أن يركب منهما حد الشيء والثاني عام وخاص لا يصلح أن يركب منهما حد الشيء والفرق من هذا الوجه ليس يقدح في غرضنا من الإلزام فإنا لم نلزم كون الباري تعالى محدودا بل ألزمنا كونه موصوفا والموصوف بالصفة أعم من المحدود بالحد ثم القول بأن تركبه بالقياس إلى عقولنا وأذهاننا تسليم المسألة وزيادة أمر على الصفاتية ويلزم عليه أن يقال له مادة وجنس وفصل وخاصية وعرض إلى غير ذلك من أنواع التركيب بالقياس إلى عقولنا لا بالقياس إلى ذاته ثم هو معرفة المعلوم على خلاف ما هو به فإنه في ذاته غير مركب وفي التصور العقلي مركب ثم الوجوب إن كان معنى إثباتيا في الذهن غير إثباتي في الخارج فذلك تغيير حقيقة الشيء الواحد بالنسبة إلى شيئين والحقائق لا تختلف