بالنسبة أصلا وإن كان الوجوب معنى سلبيا في الذهن فقد استغنى بكونه نفيا عن إلزام التركيب الذهني وعندهم المعاني السلبية لا توجب التكثير سواء كانت في الذهن أو في الخارج والمعاني الإيجابية غير الإضافية لا تخلو من التكثر سواء كانت في الذهن أو في خارج ومن المعلوم أنا إذا قلنا يعلم ذاته ويعلم غيره فليس علمه بذاته علما بغيره من الوجه الذي كان علما بذاته بل اعتبار علمه بذاته غير اعتبار علمه بغيره واعتبار إضافة العقل الأول إليه عندكم غير اعتبار إضافة العقل الثاني إليه وإذا اختلفت الاعتبارات والوجوه العقلية لزمكم التكثير في الذات فنحن نسمي كل اعتبار صفة ، وما سميتموه بالمعاني السلبية فعندنا القدم والوحدة بمثابتهما ، فإن معنى القديم أنه لا أول لوجوده ومعنى الواحد أنه لا انقسام لذاته وما سميتموه من المعاني بالمعاني الإضافية فعندنا كونه خالقا رزاقا بمثابتهما فإن معنى الخالقية يتصور من الخلق والرازقية من الرزق وبقى عندنا أنا أثبتنا معاني من كونه عالما قادرا حيا (١) فإن رده إلى السلبية غير ممكن حتى يقال معنى كونه عالما أنه غير جاهل فإن غير الجاهل قد يتصور ولا يكون عالما فهو أعم ، وحتى يقال إن معنى كونه قادرا أنه غير عاجز فإن غير العاجز قد يتصور ولا يكون قادرا ، فنفي الأولية بالضرورة يقتضي القدم ونفي الانقسام لا يقتضي العلم والقدرة فقد يخلو الشيء عن الجهل والعلم كالجماد فإذا معنى العالمية والقادرية ليس معنى سلبيا ، وليس هو أيضا معنى إضافيا فإن الاسم الإضافي من المضاف يتلقى بمعنى أنه يحصل الفعل أولا حتى يسمى فاعلا وليس كذلك كونه عالما قادرا فإن وجود المعلوم والمقدور من العلم والقدرة يحصل فهو على خلاف وضع الأسامي الإضافية خصوصا على أصلهم فإنهم قالوا علمه تعالى فعلي لا انفعالي وعند المتكلمين العلم يتبع المعلوم وعندهم المعلوم يتبع العلم والمقدور يتبع القدرة وعن هذا قالوا : إنما يصدر عنه العقل الأول لعلمه بذاته فإذا لم يكن العلم معنى سلبيا ولا معنى إضافيا ولا مركبا منهما فتعين أنه صفة للموصوف.
قالت الفلاسفة : المبدأ الأول يعقل ذاته ويعقل ما يلزم ذاته وعقله لذاته من حيث إنه مجرد عن المادة لذاته وهو علة المبدأ الثاني وهو المعلول الأول فلزم وجوده من حيث إنه يعقل ذاته وسائر الأشياء تكون معلولة على نسق الوجود منه وتجرده لذاته عن المادة أمر سلبي محض فلم تتكثر الذات بسلب شيء منه كما يقال الإنسان ليس بحجر ولا مدر ولا نجم ولا شجر وكذا إلى غير نهاية فهذا السلب وإن بلغ إلى
__________________
(١) انظر : الرد على القائلين بوحدة الوجود للقارئ (ص ١١٢).