المحل في حق العرض لا يجوز أن يثبت بالقدرة وما ليس يمكن لا يكون مقدورا وما ليس بمقدور يستحيل أن يوجد.
قال هشام : فقد قام الدليل على أن الباري سبحانه وتعالى عالم في الأزل بما سيكون من العالم فإذا وجد العالم هل بقي علمه علما بما سيكون أم لا فإن لم يكن علما بما سيكون فإذا قد تجدد له حكم أو علم فلا يخلو أن يحدث ذلك المتجدد في ذاته أو في محل أو لا في ذاته ولا في محل ولا يجوز أن يحدثه في ذاته كما سبق من استحالة كونه محلا للحوادث ولا يجوز أن يحدثه في محل لأن المعنى إذا قام بمحل رجع حكمه إليه فبقي أنه يحدثه لا في محل وإن كان علمه بما سيكون باقيا على تعلقه الأول فكان جهلا ولم يكن علما وأيضا فإنه قد تجدد له حكم بالاتفاق وهو كونه عالما بوجود العالم وحصوله في الوقت الذي حصل وتجدد الحكم يستدعي تجدد الصفة كما أن تحقق الحكم يستدعي تحقق الصفة ألستم تلقيتم كونه ذا علم من كونه عالما فلذلك نتلقى تجدد العلم من تجدد كونه عالما حتى لو قيل كان عالما في الأزل بكون العالم كان محالا وكان العلم جهلا بل لو لم يكن العالم معلوم الكون في الأزل فصار معلوم الكون في الوقت الذي حصل فلم يكن الباري عالما بالكون في الأزل ثم صار عالم الكون في الوقت المحصل فدل ذلك على تجدد العلم.
قال : ولا نشك بأن علمنا بأن سيقدم زيد غدا ليس علما بقدومه بل العلم بأن سيقدم غير والعلم بقدومه غير ويجد الإنسان تفرقة ضرورية بين حالتي علميه وهذه التفرقة راجعة إلى تجدد علم في حال القدوم ولم تكن قبل ذلك.
وأما قولكم : إن العلم من جملة المعاني وهي لذواتها محتاجة إلى محل وإنها في ذواتها مختصة بمن له أحكامها فصحيح إلا أنا بضرورة التقسيم التزمنا كونه لا في محل إذ لا وجه لنفي التفرقة بين الحالتين ولا وجه لتجدد المعنى في الأزلي القديم ولا في الجسم الحادث فبالضرورة قلنا هو معنى لا في محل له ولا ينحى به نحو الجوهر من كل وجه حتى يقال هو قائم بالنفس ومتحيز أو قابل للعرض وإنما يختص حكمه بالفاعل لأن الفاعل هو الذي أوجده علما لنفسه فصار علما به ولأن الباري تعالى لا في محل والعلم لا في محل فاختصاص ما لا محل له بما لا محل له أولى من اختصاص بما له مكان ومحل.
وللمتكلمين في جواب شبهة هشام وجهم طرق وللفلاسفة طرق أيضا : قال الشيخ أبو الحسن الأشعري رضي الله عنه على طريقته لا يتجدد لله تعالى حكم ولا يتعاقب عليه حال ولا يتجدد له صفة بل هو تعالى متصف بعلم واحد قديم متعلق بما لم يزل ولا يزال وهو محيط بجميع المعلومات على تفاصيلها من غير تجدد وجه العلم أو تجدد