بالتناهي وجاز أن يكون أكبر منه وأصغر وإذا تخصص أحد الجائزين احتاج إلى المخصص ، وكما يمكن فرض الجواز في الصغر والكبر يمكن فرضه في التيامن والتياسر ، فإن الجواز العقلي لا يقف في الجائزات ثم المخصص لا يخلو إما أن يكون موجبا بالذات مقتضيا بالطبع وإما أن يكون موجدا بالقدرة والاختيار والأول باطل فإن الموجب بالذات لا يخصص مثلا عن مثل إذ الأحياز والجهات والأقدار والأشكال ، وسائر الصفات بالنسبة إليه واحدة وهي في ذواتها متماثلة إذ لا طريق لنا إلى إثبات الصانع إلا بهذه الأفعال ، وقد ظهر فيما آثار الاختيار لتخصيصها ببعض الجائزات دون البعض فعلمنا قطعا ويقينا أن الصانع ليس ذاتا موجبا بل موجدا عالما قادرا (١) ، وهذه الطريقة في غاية الحسن والكمال ، إلا أنها محتاجة إلى تصحيح مقدمات ليحصل بها العلم بحدث العالم واحتياجه إلى الصانع منها إثبات نهاية الأجرام في ذواتها ومقاديرها ومنها إثبات خلاء وراء العالم حتى يمكن فرض التيامن والتياسر فيه ومنها نفي حوادث لا أول لها ، فإن الخصم ربما يقول بموجب الدليل كله ويسلم أن العالم ممكن الوجود في ذاته وأنه محتاج إلى مخصص مرجح لجانب الوجود على العدم ومع ذلك يقول هو دائم الوجود به ، ومنها حصر المحدثات في الأجرام والقائم بالأجرام ، وقد أثبت الخصم موجودات خارجة عن القسمين هي دائمة الوجود بالغير دواما ذاتيا لا زمانيا ووجودا جوهريا لا مكانيا بحيث لا يمكن فرض التيامن والتياسر والصغر والكبر فيها ولا تتطرق الأشكال والمقادير إليها ومنها إثبات أن الموجب بالذات كالمقتضي بالطبع ، فإن الخصم لا يسلم ذلك ويفرق بين القسمين ، والأولى أن تفرض المسألة على قضية عقلية ، يوصل إلى العلم بها بتقسيم دائر بين النفي والإثبات.
فنقول : القسمة العقلية حصرت المعلومات في ثلاثة أقسام واجب ومستحيل وجائز ، فالواجب هو ضروري الوجود بحيث لو قدر عدمه لزم منه محال والمستحيل هو ضروري العدم بحيث لو قدر وجوده لزم منه محال والجائز ما لا ضروري في وجوده ولا عدمه والعالم بما فيه من الجواهر العقلية والأجسام الحسية والأعراض القائمة بما قدّرناه متناهيا وغير متناه ، وكذلك لو قدرنا أنه شخص واحد أو أشخاص وأنواع كثيرة : إما أن يكون ضروري الوجود أو ضروري العدم ، وذلك محال لأن
__________________
(١) انظر : غاية المرام في علم الكلام للآمدي (ص ٤٥ ، ٧٥ ، ٧٧ ، ١٥٥ ، ٢٥١ ، ٢٥٣ ، ٢٧٧) ، والملل والنحل للشهرستاني (ص ٩٦ ، ١٩٦) ، المواقف للإيجي (١ / ٦١) (٢ / ٥٣٠) ، والغنية في أصول الدين (٥٨ ، ١١٨).